وقال أبو السعود فى الآيات السابقة :
﴿ حم تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم ﴾
الكلامُ فيه كالذي مرَّ في مطلعِ السورةِ السابقةِ. ﴿ مَا خَلَقْنَا السموات والأرض ﴾ بما فيهما من حيثُ الجزئيةُ منهما ومن حيثُ الاستقرارُ فيهما. ﴿ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ من المخلوقاتِ ﴿ إِلاَّ بالحق ﴾ استثناءٌ مفرغٌ من أعمِّ المفاعيلِ. أي إلاَّ خلقاً مُلتبساً بالحقِّ الذي تقتضيهِ الحكمةُ التكوينيةُ والتشريعيةُ، أو من أعمِّ الأحوالِ من فاعلِ خلقنا أو من مفعولِه أي ما خلقنَاها في حالٍ من الأحوالِ إلا حالَ ملابستِنا بالحقِّ أو حالَ ملابستِها به. وفيهِ من الدلالةِ على وجودِ الصَّانعِ تعالى وصفاتِ كمالِه وابتناءِ أفعالِه على حِكمٍ بالغةٍ وانتهائِها إلى غاياتٍ جليلةٍ ما لا يَخْفِى. ﴿ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى ﴾ عطفٌ على الحقِّ بتقديرِ مضافٍ أي وبتقديرِ أجلٍ مُسمَّى ينتهي إليهِ أمرُ الكلِّ وهو يومُ القيامةِ يومَ تُبدلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ والسمواتُ وبرزوا لله الواحدِ القهارِ، وقيلَ : هُو آخرُ مُدةِ البقاءِ المقدرِ لكلِّ واحدٍ، ويأباهُ قولُه تعالى ﴿ والذين كَفَرُواْ عَمَّا أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ ﴾ فإنَّ ما أُنذروه يومُ القيامةِ وما فيهِ من الطامَّةِ التَّامَّةِ والأهوالِ العامةِ لا آخرُ أعمارِهم وقد جُوِّزَ كونُ ما مصدريةً، والجملةُ حاليةٌ. أي ما خلقنا الخلقَ إلا بالحقِّ وتقديرِ الأجلِ الذي يُجازونَ عندَهْ، والحالُ أنَّهم غيرُ مؤمنينَ به معرضونَ عنه وعن الاستعدادِ له. ﴿ قُلْ ﴾ توبيخاً لهم وتبكيتاً ﴿ أَرَءيْتُمْ ﴾ أخبرُوني، وقُرِىءَ أرأيتَكُم. ﴿ مَا تَدَّعُونَ ﴾ ما تعبدونَ ﴿ مِن دُونِ الله ﴾ منَ الأصنامِ ﴿ أَرُونِىَ ﴾ تأكيدٌ لأرأيتُم. ﴿ مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض ﴾ بيانُ للإبهامِ في ماذَا ﴿ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ ﴾ أي شرْكةٌ معَ الله تعالَى. ﴿ فِى السموات ﴾ أي في خلقِها أو مُلكِها وتدبيرِها حتَّى يُتوهم أن يكونَ لهم شائبةُ استحقاقٍ للمعبوديةِ فإنَّ ما لا مدخلَ له في وجودِ شيءٍ من الأشياءِ


الصفحة التالية
Icon