فأم فيها على ذلك تفيد معنى الإضراب والإنكار معاً، فهو بمعنى دع هذا، واسمع قولهم المستنكر لظهور كذبهم فيه، أن محمداً افترى هذا القرآن، وقد كذبهم الله فى هذه الدعوى في آيات كثيرة كقوله تعالى ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ ﴾ [ يونس : ٣٨ ] الآية. وقوله ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾ [ هود : ١٣ ] ﴿ قُلْ إِنِ افتريته فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئاً ﴾ أي إن كنت افتريت هذا القرآن على سبيل الفرض.
والتقدير : عاجلني الله بعقوبته الشديدة، وأنتم لا تملكون لي منه شيئاً، أي لا تقدرون أن تدفعواعني عذابه إن أراد أن يعذبني على الافتراء.
فكيف أفتريه لكم، وأنتم لا تقدرون على دفع عذاب الله عني؟
وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في غير هذا الموضع، كقوله تعالى :﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ [ الحاقة : ٤٤ - ٤٧ ].
فقوله تعالى فى آية الحاقة هذه :﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل ﴾ كقوله فى آية الأحقاف ﴿ قُلْ إِنِ افتريته ﴾.
وقوله فى الحاقة :﴿ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ يوضح معنى قوله :﴿ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئاً ﴾. لأن معنى قوله :﴿ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ [ الحاقة : ٤٧ ]، أنهم لا يقدرون على أن يحجزوا عنه أي يدفعوا عنه عقاب الله له بالقتل، لو تقول عليه بعض الأقاويل.
وذلك هو معنى قوله :﴿ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئاً ﴾ أي لا تقدرون على دفع عذابه عني.