والقول الثاني : أنه ليس المراد من شخص معين، بل المراد منه كل من كان موصوفاً بهذه الصفة، وهو كل من دعاه أبواه إلى الدين الحق فأباه وأنكره، وهذا القول هو الصحيح عندنا، ويدل عليه وجوه الأول : أنه تعالى وصف هذا الذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني بقوله ﴿أولئك الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين﴾ ولا شك أن عبد الرحمن آمن وحسن إسلامه، وكان من سادات المسلمين، فبطل حمل الآية عليه، فإن قالوا : روي أنه لما دعاه أبواه إلى الإسلام وأخبراه بالبعث بعد الموت، قال :﴿أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ﴾ من القبر، يعني أبعث بعد الموت ﴿وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِي﴾ يعني الأمم الخالية، فلم أر أحداً منهم بعث فأين عبد الله بن جدعان، وأين فلان وفلان ؟ إذا عرفت هذا فنقول قوله ﴿أولئك الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول﴾ المراد هؤلاء الذين ذكرهم عبد الرحمن من المشركين الذين ماتوا قبله، وهم الذين حق عليهم القول، وبالجملة فهو عائد إلى المشار إليهم بقوله ﴿وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِي﴾ لا إلى المشار إليه بقوله ﴿والذي قَالَ لوالديه أُفٍّ لَّكُمَا﴾ هذا ما ذكره الكلبي في دفع ذلك الدليل، وهو حسن والوجه الثاني : في إبطال ذلك القول، ما روي أن مروان لما خاطب عبد الرحمن بن أبي بكر بذلك الكلام سمعت عائشة ذلك فغضبت وقالت : والله ما هو به، ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه الوجه الثالث : وهو الأقوى، أن يقال إنه تعالى وصف الولد البار بأبويه في الآية المتقدمة، ووصف الولد العاق لأبويه في هذه الآية، وذكر من صفات ذلك الولد أنه بلغ في العقوق إلى حيث لما دعاه أبواه إلى الدين الحق، وهو الإقرار بالبعث والقيامة أصر على الإنكار وأبى واستكبر، وعول في ذلك الإنكار على شبهات خسيسة وكلمات واهية، وإذا كان كذلك كان المراد كل ولد اتصف بالصفات


الصفحة التالية
Icon