وجه الكذب الأولائل وتناقلها منهم الأعمار جيلاً بعد جيل فصارت بحيث يظن الضعفاء أنها صحيحة - هذا والعجب كل العجب أنه بتصديقه لا يلزمه فساد على تقدير من التقادير الممكنة، بل يحمله التصديق على محاسن الأعمال ومعالي الأخلاق التي هو مقر بأنها محاسن من لزوم طريق الخير وترك طريق الشر، وتكذيبه يجره إلى المرح والأشر، والطبر وأفعال الشر، ودنايا الأخلاق مع احتمال الهلاك الذي يخوفانه به وهو لا ينفي أنه محتمل وإن استبعده فما دعوه إليه كما ترى لا يأباه عاقل ولكنها عقول كادها باريها.
ولما كان هذا الكلام، ومع بلوغ النهاية في حسن الانتظام، وقد حصر الإنسان هذين القسمين مثلاً بليغاً لكفار العرب ومؤمنيهم، فالأول للمؤمنين التابعين لملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، الآتي بها أعظم أنبيائه الكرام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، والثاني للكفار المنابذين لأعظم آبائهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي يعرفونه منه نقلاً يتوارثونه من آبائهم، وقرآناً معجزاً كأنهم سمعوه من خالقهم أنه موحد لله مقر بالبعث محذر من غوائله، وكان قد ابتدأ سبحانه الحديث عنهم بما ذكر مما كفروا فيه المنعمين واستحقوا كلتا السوءتين، خزي الدنيا وعذاب الآخرة، أخبر عنهم بما أنتجه تكذيبهم بموعود ربهم وعقوقهم لوالديهم حقيقة أو تعليماً بقوله :﴿أولئك﴾ أي البعداء من العقل والمروءة وكل خير ﴿الذين حق﴾ أي ثبت ووجب.
ولما كان هذا وعيداً، دل عليه بأداة الاستعلاء فقال :﴿عليهم القول﴾ أي الكامل في بابه بأنهم أسفل السافلين، وهذا يكذب من قال : إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر ـ رضى الله عنهما ـ، فإنه أسلم وصار من أكابر الصحابة ـ رضى الله عنه ـ م أجمعين، فحقت له الجنة.
ولما أثبت لهم هذه الشنيعة، عرف بكثرة من شاركهم فيها فقال :﴿في﴾ أي كائنين في ﴿أمم﴾ أي خلائق كانوا بحيث يقصدهم الناس ويتبع بعضهم بعضاً ﴿قد خلت﴾ تلك الأمم.