فصل


قال الفخر :
﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ﴾
اعلم أنه تعالى لما أورد أنواع الدلائل في إثبات التوحيد والنبوّة، وكان أهل مكة بسبب استغراقهم في لذات الدنيا واشتغالهم بطلبها أعرضوا عنها، ولم يلتفتوا إليها، ولهذا السبب قال تعالى في حقهم ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار أَذْهَبْتُمْ طيباتكم فِى حياتكم الدنيا﴾ فلما كان الأمر كذلك بين أن قوم عاد كانوا أكثر أموالاً وقوة وجاهاً منهم، ثم إن الله تعالى سلّط العذاب عليهم بسبب شؤم كفرهم فذكر هذه القصة ههنا ليعتبر بها أهل مكة، فيتركوا الاغترار بما وجدوه من الدنيا ويقبلوا على طلب الدين، فلهذا المعنى ذكر الله تعالى هذه القصة في هذا الموضع، وهو مناسب لما تقدم لأن من أراد تقبيح طريقة عند قوم كان الطريق فيه ضرب الأمثال، وتقديره أن من واظب على تلك الطريقة نزل به من البلاء كذا وكذا، وقوله تعالى :﴿واذكر أَخَا عَادٍ﴾ أي واذكر يا محمد لقومك أهل مكة هوداً عليه السلام ﴿إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ﴾ أي حذرهم عذاب الله إن لم يؤمنوا، وقوله ﴿بالأحقاف﴾ قال أبو عبيدة الحقف الرمل المعوج، ومنه قيل للمعوج محقوف وقال الفراء الأحقاف واحدها حقف وهو الكثيب المكسر غير العظيم وفيه اعوجاج، قال ابن عباس الأحقاف وادٍ بين عمان ومهرة والنذر جمع نذير بمعنى المنذر ﴿مِن بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ من قبله ﴿وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ من بعده والمعنى أن هوداً عليه السلام قد أنذرهم وقال لهم أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم العذاب.
واعلم أن الرسل الذين بعثوا قبله والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره.


الصفحة التالية
Icon