وفيه أقوال فقيل عامل الثاني مقدر أي وسقيتها ماء ويقال في الآية أي خلت النذر من بين يديه وتأتي من خلفه ؛ وقيل إنه مشاكلة، وقيل : إنه من قبيل الاستعارة بالكناية، وإما لإدخال الآتي في سلك الماضي قطعاً بالوقوع وفيه شائبة الجمع بين الحقيقة والمجاز، وجوز أن يقال : المضي باعتبار الثبوت في علم الله تعالى أي وقد خلت النذر في علم الله تعالى يعني ثبت في علمه سبحانه خلو الماضين منهم والآتين، والجملة إما حال من فاعل ﴿ أُنذِرَ ﴾ أي إذ أنذر معلماً إياهم بخلو النذر أو مفعوله أي وهم عالمون بإعلامه إياهم، وهو قريب من أسلوب قوله تعالى :﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ أمواتا ﴾ [ البقرة : ٢٨ ] الآية، ويجوز أن يكون المعنى أنذرهم على فترة من الرسل، وهي حال أيضاً على تفسير ابن عباس، وعلم القوم يجوز أن يكون من إعلامه ومن مشاهدتهم أحوال من كانوا في زمانه وسماعهم أحوال من قبله، وإما اعتراض بين المفسر أعني ﴿ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾ وبين المفسر أعني قوله تعالى :﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله ﴾ فإن النهي عن الشيء إنذار عن مضرته كأنه قيل : واذكر زمان إنذار هود قومه بما أنذر به الرسل قبله وبعده وهو أن لا تعبدوا إلا الله تنبيهاً على أنه إنذار ثابت قديماً وحديثاً اتفقت عليه الرسل عليهم السلام عن آخرهم فهو يؤكد قوله تعالى :﴿ واذكر ﴾ ويؤكد قوله سبحانه :﴿ أَنذَرَ قَوْمَهُ ﴾ ولذلك توسط، وهو أيضاً مقصود بالذكر بخلاف ما إذا جعل حالاً فإنه حينئذ قيد تابع، وهذا الوجه أولى مما قبله على ما قرره في "الكشف"، وجوز بعضهم العطف على ﴿ أُنذِرَ ﴾ أي واعلمهم بذلك وهو كما ترى، وجعلت ﴿ إن ﴾ مفسرة لتقدم معنى القول دون حروفه وهو الإنذار والمفسر معموله المقدر، وجوز كونها مصدرية وكونها مخففة من الثقيلة فقبلها حرف جر مقدر متعلق بأنذر أي أنذرهم بأن لا تعبدوا إلا الله.


الصفحة التالية