ولما اشتد تشوف السامع إلى معرفته قال :﴿ريح﴾ أي ركمت هذا السحاب الذي رأيتموه ﴿فيها عذاب أليم﴾ أي شديد الإيلام، كانت تحمل الظعينة في الجو تحملها وهودجها حى ترى كأنها جرادة، وكانوا يرون ما كان خارجاً عن منازلهم من الناس والمواشي تطير بهم الريح بين السماء والأرض ثم تقذف بهم ﴿تدمر﴾ أي تهلك إهلاكاً عظيماً شديداً سريعاً تأتي بغتة على طريق الهجوم ﴿كل شيء﴾ أي أتت عليه، هذا شأنها فمن سلم منها كهود عليه الصلاة والسلام ومن آمن به ـ رضى الله عنه ـ م فسلامته أمر خارق للعادة كما أن أمرها في إهلاك كل ما مرت عليه أمر خارق للعادة، والجملتان يحتمل أن تكونا وصفاً لريح ويحتمل وهو أعذب وأهز للنفس وأعجب أن تكونا استئنافاً، ولما كان ربما ظن ظان أنها مؤثرة بنفسها قال :﴿بأمر ربها﴾ أي المبدع لها والمربي والمحسن بالانتقام بها من أعدائه.
ولما ذكرها بهذا الذكر الهائل، وكان التقدير : جاءتهم فدمرتهم لم تترك منهم أحداً، سبب عن ذلك زيادة في التهويل قوله :﴿فأصبحوا﴾ ولما اشتد إصغاء السامع إلى كيفية إصباحهم، قال مترجماً لهلاكهم :﴿لا ترى﴾ أي أيها الرائي، فلما عظمت روعة القلب وهول النفس قال تعالى :﴿إلا مساكنهم﴾ أي جزاء على إجرامهم، فانطبقت العبارة على المعنى، وعلم أن المراد بالإصباح مطلق الكون، ولكنه عبر به لأن المصيبة فيه أعظم، وعلم أنه لم يبق من المكذبين ديار ولا نافخ نار، وهذا كناية عن عموم الهلاك لهم سواء كان الرمل دفنهم أو على وجه الأرض مرتبين كما في الآية الأخرى