ولما كانت قريش تفتخر بعقولها فربما ظنت أنها في العقل ومقدماته من الحواس أمكن منهم، وأنهم ما أتى عليهم إلا من عدم فهمهم، قال تعالى :﴿وجعلنا﴾ أي جعلاً يليق بما " زدناهم عليكم " من المكنة على ما اقتضته عظمتنا ﴿لهم سمعاً﴾ بدأ به لأن المقام للإنذار المنبه بحاسة السمع على ما في الآيات المرئيات من المواعظ، فهو أنفع لأنه أوضح، ووحده لقلة التفاوت فيه ﴿وأبصاراً﴾ أي منبهة على ما في الآيات المرئيات من مطابقة واقعها لأخبار السمع، وجمع لكثرة التفاوت في أنوار الأبصار، وكذا في قوله :﴿وأفئدة﴾ أي قلوباً ليعرفوا بها الحق فيتبعوه والباطل فيجتنبوه ويشكروا من وهبها لهم، وختم بها لأنها الغاية التي ليس بعد الإدراك منتهى ولا وراءها مرمى، وعبر بما هو من التفود وهو التجرد إشارة إلى أنها في غاية الذكاء ﴿فما أغنى عنهم﴾ في حال إرسالنا إليهم الرحمة على لسان نبينا هود عليه الصلاة والسلام ثم النقمة بيد الريح ﴿سمعهم﴾ وأكد النفي بتكرير النافي فقال :﴿ولا أبصارهم﴾ وكذا في قوله :﴿ولا أفئدتهم﴾ أي لما أردنا إهلاكهم، وأكد بإثبات الجار فقال :﴿من شيء﴾ أي من الإغناء، وإن قلّ لا في دفع العذاب، ولا في معرفة الصواب، بل صرفوا ما وهبنا لهم من القوى فيما لا ينبعي تعليق الهمم به من أمور الدنيا حتى فاقوا في ذلك الأمم وعملوا أعمال من تخلد كما قيل :
والخلد قد حاولت...
عاد فما خلدوا