فصل


قال الفخر :
ثم إنه تعالى خوف كفار مكة، وذكر فضل عاد بالقوة والجسم عليهم فقال :﴿وَلَقَدْ مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ﴾ قال المبرّد ما في قوله ﴿فِيمَا﴾ بمنزلة الذي.
و﴿إن﴾ بمنزلة ما والتقدير : ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه، والمعنى أنهم كانوا أشد منكم قوة وأكثر منكم أموالاً، وقال ابن قتيبة كلمة إن زائدة.
والتقدير ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه، وهذا غلط لوجوه الأول : أن الحكم بأن حرفاً من كتاب الله عبث لا يقول به عاقل والثاني : أن المقصود من هذا الكلام أنهم كانوا أقوى منكم قوة، ثم إنهم مع زيادة القوة ما نجوا من عقاب الله فكيف يكون حالكم، وهذا المقصود إنما يتم لو دلّت الآية على أنهم كانوا أقوى قوة من قوم مكة الثالث : أن سائر الآيات تفيد هذا المعنى، قال تعالى :﴿هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً ورئيا﴾ [ مريم : ٧٤ ] وقال :﴿كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأرض﴾ [ غافر : ٨٢ ].
ثم قال تعالى :﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وأبصارا وَأَفْئِدَةً﴾ والمعنى أنا فتحنا عليهم أبواب النعم وأعطيناهم سمعاً فما استعملوه في سماع الدلائل، وأعطيناهم أبصاراً فما استعملوها في تأمل العبر، وأعطيناهم أفئدة فما استعملوها في طلب معرفة الله تعالى، بل صرفوا كل هذه القوى إلى طلب الدنيا ولذاتها، فلا جرم ما أغنى سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من عذاب الله شيئاً.


الصفحة التالية
Icon