واعلم أنه تعالى لما قرر المطالب الثلاثة وهي التوحيد والنبوة والمعاد، وأجاب عن الشبهات أردفه بما يجري مجرى الوعظ والنصيحة للرسول ﷺ، وذلك لأن الكفار كانوا يؤذونه ويوجسون صدره، فقال تعالى :﴿فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل﴾ أي أولو الجد والصبر والثبات، وفي الآية قولان.
الأول : أن تكون كلمة ﴿مِنَ﴾ للتبعيض ويراد بأولو العزم بعض الأنبياء قيل هم نوح صبر على أذى قومه وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه، وإبراهيم على النار وذبح الولد، وإسحاق على الذبح، ويعقوب على فقدان الولد وذهاب البصر، ويوسف على الجب والسجن، وأيوب على الضر وموسى قال له قومه ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ﴾ [ الشعراء : ٦١، ٦٢ ] وداود بكى على زلته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة وقال : إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها، وقال الله تعالى في آدم ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ [ طه : ١١٥ ] وفي يونس ﴿وَلاَ تَكُن كصاحب الحوت﴾ [ القلم : ٤٨ ].
والقول الثاني : أن كل الرسل أولو عزم ولم يبعث الله رسولاً إلا كان ذا عزم وحزم، ورأي وكمال وعقل، ولفظة من في قوله ﴿مَّنَ الرسل﴾ تبيين لا تبعيض كما يقال كسيته من الخز وكأنه قيل اصبر كما صبر الرسل من قبلك على أذى قومهم، ووصفهم بالعزم لصبرهم وثباتهم.