وأماما ووراء وهم مشرفون عليها بحيث لا تخفى على من فيها "وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ" في الدّنيا فعلا "وَيَأْكُلُونَ" من نعيمها "كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ" التي لا هم لها إلا بطونها وفروجها، ساهون عما يراد منهم في الآخرة، وقد شبههم اللّه بها بجامع عدم التمييز بين الخير والشّر والنّفع والضّر والتدبير في العواقب في كل "وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ" (١٢) وبئس المثوى النّار.
مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار :
وهذه الآية التي نزلت في الطّريق أثناء الهجرة المنوه عنها في الآية ٨٧ من سورة العنكبوت في ج ٢ "وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ" وأعظم "قُوَّةً مِنْ" أهل "قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ" (١٣)
وذلك أنه صلى اللّه عليه وسلم بعد أن خرج من الغار وسار مع صاحبه أبي بكر وخرج من عمران مكة التفت إليها وقال أنت أحب البلاد إلى اللّه وأحبها إلي، ولو لا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك، وقد وضعت هنا كغيرها باشارة من السّيد جبريل وأمر من النّبي صلى اللّه عليه وسلم كما هي في علم اللّه، وتعد مكية لأن المدني، ما نزل في المدينة بعد وصله إليها أو في غيرها، وكذلك المكي هو ما نزل قبل الهجرة في مكة أو غيرها كما أشرنا إليه في المقدمة، وإنما قال أخرجوني لأنهم أرادوا إخراجه حين مذاكرتهم في دار النّدوة، وقد خرج بارادة اللّه تعالى ليس إلّا كما أشرنا إليه في الآية الآنفة الذكر من سورة العنكبوت لأن اللّه تعالى قدّر على خروجه منها ظهور دينه للناس أجمع وعلو شأنه على غيره وفتح مكة على يده، ولأنه لو لم يخرج بطوعه على الصّورة المذكورة لأدى بقاؤه فيها إلى مقاتلة بينه وبين قومه وهو لا يريد قتالهم مع قوته بعشيرته، وتعهد اللّه له بالنصر عليهم.


الصفحة التالية
Icon