قال تعالى "وَلَهُمْ فِيها" أي الجنّة ذات الأنهار المذكورة "مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ" مما عرفه البشر أو لم يعرفه يتفكهون فيها "وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ" أيضا زيادة على ذلك كله، ورفع التكاليف عنهم فيما يأكلون ويشربون بخلاف فواكه الدنيا فإنهم قد يحاسبون عليها هل هي من حل أم لا، وهل أسرف فيها أم لا، وهل رزق غيره منها أم لا، أما المغفرة عن الذنوب فتكون لأهل الجنّة قبل دخولها فمثل هؤلاء المؤمنين الكرام ليس "كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ" من الكفرة اللئام "وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ" (١٥) لشدة حرارته.
وبعد أن بين تعالى حال أهل الجنّة وأهل النّار طفق يذكر بعض مثالب المنافقين، فقال
عز قوله "وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ" يا حبيبي "قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" من أصحابك "ما ذا قالَ آنِفاً" لأنهم لا يعون قوله إذ لا يلقون له بالا تهاونا به قاتلهم اللّه، وتغافلا عنه، لذلك لا يقهمونه "أُولئِكَ" الّذين لا يفطنون لكلام رسولهم هم "الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ" فلم ينتفعوا بها لذلك لم يصغوا لمواعظ الرّسول وهو معهم فتركوها "وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ" (١٦) الباطلة فأمات اللّه قلوبهم "وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا" بهداية اللّه وعظات رسوله، فسمعوا خطابه ووعوا قوله وانتفعوا به "زادَهُمْ هُدىً" وبصيرة وعلما لم يعلمه غيرهم لأن اللّه شرح صدورهم "وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ" (١٧) أي
جزاءها الدّنيوي في الآخرة وبينه لهم على لسان رسولهم.