ورويا عن أبي هريرة أن من أشراط السّاعة أن يتقارب الزمان وينقص العلم وتظهر الفتن ويلقى الشّح، أي يلقى البخل والحرص في قلوب النّاس على اختلاف أحوالهم هذا على سكون اللام (فَمَنْ يُلْقى ) وعلى فتحه وتشديد القاف يكون المعنى يتلقى البخل ويتعلم ويدعى إليه ويتواصى به، قاله العتبي وصوّبه ابن الأثير.
ولا يقال يلقى بمعنى يترك إذ لا يستقيم المعنى لأن المقام مقام ذم، ويكثر الهرج، قالوا وما الهرج يا رسول اللّه ؟ قال القتل.
هذا وقد أسهبنا البحث في هذا في الآية ١٥٨ من سورة الأنعام المارة في ج ٢.
واعلم أن المراد برفع العلم ونقصه موت العلماء وقلة طلبه، لا أنه يرفعه من قلوب العلماء، لأنه أكرم من أن يأخذه ممن يمنحه إياه، يؤيده خبر : إن اللّه لا ينتزع العلم انتزاعا وإنما يرفعه بموت العلماء.
ثم التفت إلى رسوله وخاطبه بقوله "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ" ودم على ما أنت عليه من العلم بهذا التوحيد الخالص، وأعلم أمتك بالمداومة عليه وحثهم على التمسك به، وأن يعضوا على هذه الكلمة بالنواجذ وأعلمهم أن لا خلاص لأحد من عذاب اللّه إلّا بها، وحرضهم على أن لا يفقوا عنها، وخاصة عند مفارقتهم الدنيا، فمن مات عليها.
اللهم أمتنا عليها، وقد وصفها بعضهم بقوله :
مليحة التكرار والتنثى لا تغفلي عند الوداع عني
"وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ" مما تعده ذنبا بالنسبة لمقامك "وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ" استغفر أيها الرّسول "وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ" (١٩) أنت وإياهم في الدّنيا من جميع حركاتكم وسكناتكم وفي الآخرة يعلمه على درجاتكم فيها، وإنما أمر اللّه نبيه بالاستغفار تعليما لأمته، وإلّا فهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كما سيأتي أوّل سورة الفتح الآتية، وذنبه عليه السّلام ليس كذنوب أمته لأنه منزه عنها، وإنما هي على حد حسنات الأبرار سيئات المقربين.


الصفحة التالية
Icon