فإن قيل كيف يبطل الله حسنة أوجدها ؟ نقول إن الابطال على وجوه أحدها : يوازن بسيئاتهم الحسنات التي صدرت منهم ويسقطها بالموازنة ويبقي لهم سيئات محضة، لأن الكفر يزيد على غير الإيمان من الحسنات والإيمان يترجح على غير الكفر من السيئات وثانيها : أبطلها لفقد شرط ثبوتها وإثباتها وهو الإيمان لأنه شرط قبول العمل قال تعالى :﴿مَنْ عَمِلَ صالحا مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [ غافر : ٤٠ ] وإذا لم يقبل الله العمل لا يكون له وجود لأن العمل لا بقاء له في نفسه بل هو يعدم عقيب ما يوجد في الحقيقة غير أن الله تعالى يكتب عنده بفضله أن فلاناً عمل صالحاً وعندي جزاؤه فيبقى حكماً، وهذا البقاء حكماً خير من البقاء الذي للأجسام التي هي محل الأعمال حقيقة، فإن الأجسام وإن بقيت غير أن مآلها إلى الفناء والعمل الصالح من الباقيات عند الله أبداً، وإذا ثبت هذا تبين أن الله بالقبول متفضل، وقد أخبر أني لا أقبل إلا من مؤمن فمن عمل وتعب من غير سبق الإيمان فهو المضيع تعبه لا الله تعالى وثالثها : لم يعمل الكافر عمله لوجه الله تعالى فلم يأت بخير فلا يرد علينا قوله ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ [ الزلزلة : ٧ ] وبيانه هو أن العمل لا يتميز إلا بمن له العمل لا بالعامل ولا بنفس العمل، وذلك لأن من قام ليقتل شخصاً ولم يتفق قتله، ثم قال ليكرمه ولم يتفق الإكرام ولا القتل، وأخبر عن نفسه أنه قام في اليوم الفلاني لقتله وفي اليوم الآخر لإكرامه يتميز القيامان لا بالنظر إلى القيام فإنه واحد ولا بالنظر إلى القائم فإنه حقيقة واحدة، وإنما يتميز بما كان لأجله القيام، وكذلك من قام وقصد بقيامه إكرام الملك وقام وقصد بقيامه إكرام بعض العوام يتميز أحدهما عن الآخر بمنزلة العمل لكن نسبة الله الكريم إلى الأصنام فوق نسبة الملوك إلى العوام فالعمل للأصنام ليس بخير ثم إن اتفق أن يقصد واحد بعمله وجه الله تعالى