﴿ فضرب الرقاب ﴾ : هذا من المصدر النائب مناب فعل الأمر، وهم مطرد فيه، وهو منصوب بفعل محذوف فيه، واختلف فيه إذا انتصب ما بعده فقيل : هو منصوب بالفعل الناصب للمصدر ؛ وقيل : هو منصوب بنفس المصدر لنيابته عن العامل فيه، ومثاله : ضرباً زيداً، كما قال الشاعر :
على حين ألهى الناس جل أمورهم...
فندلاً زريق المال ندل الثعالب
وهذا هو الصحيح، ويدل على ذلك قوله :﴿ فضرب الرقاب ﴾، وهو إضافة المصدر للمفعول، ولو لم يكن معمولاً له، ما جازت إضافته إليه.
وضرب الرقاب عبارة عن القتل ؛ ولما كان القتل للإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته، عبر بذلك عن القتل، ولا يراد خصوصية الرقاب، فإنه لا يكاد تتأتى حالة الحرب أن تضرب الرقاب، وإنما يتأتى القتال في أي موضع كان من الأعضاء.
ويقال : ضرب الأمير رقبة فلان، وضرب عنقه وعلاوته وما فيه عيناه، إذا قتله، كما عبر بقوله :﴿ بما كسبت أيديكم ﴾ عن سائر الأفعال، لما كان أكثر الكسب منسوباً إلى الأيدي.
قال الزمخشري : وفي هذه العبارة من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صورة، وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه.
وقد زاد في هذه في قوله :﴿ فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ﴾ انتهى.
ولما في ذلك من تشجيع المؤمنين، وأنهم من الكفار بحيث هم متمكنون منهم إذا أمروا بضرب رقابهم.
﴿ حتى إذا أثخنتموهم ﴾ : أي أكثرتم القتل فيهم، وهذه غاية للضرب، فإذا وقع الإثخان وتمكنوا من أخذ من لم يقتل وشدوا وثاق الأسرى، ﴿ فإما مناً ﴾ بالإطلاق، ﴿ وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ﴾ : أي أثقالها وآلاتها.
ومنه قول عمرو بن معدي كرب :
وأعددت للحرب أوزارها...
رماحاً طوالاً وخيلاً ذكورا
أنشده ابن عطية لعمرو هذا، وأنشده الزمخشري للأعشى.