المسألة الثانية :
قال في الخمر ﴿لَّذَّةٍ للشاربين﴾ ولم يقل في اللبن لم يتغير طعمه للطاعمين ولا قال في العسل مصفى للناظرين لأن اللذة تختلف باختلاف الأشخاص فرب طعام يلتذ به شخص ويعافه الآخر، فقال :﴿لَّذَّةٍ للشاربين﴾ بأسرهم ولأن الخمر كريهة الطعم فقال :﴿لَذَّةٍ﴾ أي لا يكون في خمر الآخرة كراهة الطعم، وأما الطعم واللون فلا يختلفان باختلاف الناس، فإن الحلو والحامض وغيرهما يدركه كل أحد كذلك، لكنه قد يعافه بعض الناس ويلتذ به البعض مع اتفاقهم على أن له طعماً واحداً وكذلك اللون فلم يكن إلى التصريح بالتعميم حاجة، وقوله ﴿لَذَّةٍ﴾ يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون تأنيث لذ يقال طعام لذ ولذيذ وأطعمة لذة ولذيذة وثانيهما : أن يكون ذلك وصفاً بنفس المعنى لا بالمشتق منه كما يقال للحليم هو حلم كله وللعاقل كله.
ثم قال تعالى :﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثمرات وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ ﴾.
بعد ذكر المشروب أشار إلى المأكول، ولما كان في الجنة الأكل للذة لا للحاجة ذكر الثمار فإنها تؤكل للذة بخلاف الخبز واللحم، وهذا كقوله تعالى في سورة الرعد
﴿مَّثَلُ الجنة التى وُعِدَ المتقون تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا﴾ [ الرعد : ٣٥ ] حيث أشار إلى المأكول والمشروب، وههنا لطيفة وهي أنه تعالى قال فيها ﴿وِظِلُّهَا﴾ ولم يقل ههنا ذلك، نقول قال ههنا ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ والظل فيه معنى الستر والمغفرة كذلك، ولأن المغفور تحت نظر من رحمة الغافر يقال نحن تحت ظل الأمير، وظلها هو رحمة الله ومغفرته حيث لا يمسهم حر ولا برد.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon