المتقي لا يدخل الجنة إلا بعد المغفرة فكيف يكون لهم فيها مغفرة ؟ فنقول الجواب عنه من وجهين : الأول : ليس بلازم أن يكون المعنى لهم مغفرة من ربهم فيها، بل يكون عطفاً على قوله ( لهم ) كأنه تعالى قال لهم الثمرات فيها ولهم المغفرة قبل دخولها والثاني : هو أن يكون المعنى لهم فيها مغفرة أي رفع التكليف عنهم فيأكلون من غير حساب بخلاف الدنيا فإن الثمار فيها على حساب أو عقاب، ووجه آخر وهو أن الآكل في الدنيا لا يخلو عن استنتاج قبيح أو مكروه كمرض أو حاجة إلى تبرز، فقال :﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثمرات وَمَغْفِرَةٌ﴾ لا قبيح على الآكل بل مستور القبائح مغفور، وهذا استفدته من المعلمين في بلادنا فإنهم يعودون الصبيان بأن يقولون وقت حاجتهم إلى إراقة البول وغيره : يا معلم غفر الله لك، فيفهم المعلم أنهم يطلبون الإذن في الخروج لقضاء الحاجة فيأذن لهم، فقلت في نفسي معناه هو أن الله تعالى في الجنة غفر لمن أكل، وأما في الدنيا، فلأن للأكل توابع ولوازم لا بد منها فيفهم من قولهم حاجتهم.
ثم قال تعالى :﴿كَمَنْ هُوَ خالد فِى النار وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ﴾ وفيه أيضاً مسائل :
المسألة الأولى :
على قول من قال :﴿مَّثَلُ الجنة﴾ معناه وصف الجنة فقوله ﴿كَمَنْ هُوَ﴾ بماذا يتعلق ؟ نقول قوله ﴿لَّهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثمرات﴾ يتضمن كونهم فيها فكأنه قال هو فيها كمن هو خالد في النار، فالمشبه يكون محذوفاً مدلولاً عليه بما سبق، ويحتمل أن يقال ما قيل في تقرير قول الزمخشري أن المراد هذه الجنة التي مثلها ما ذكرنا كمقام من هو خالد في النار.
المسألة الثانية :