ولما كانوا لشدة جهلهم لا يتصورون أن سرائرهم كلها معلومة مقدور على أن يعلمها بشر مثلهم، أكد قوله :﴿لأريناكهم﴾ أي رؤية تامة كاشفة لك الغطاء عنهم ﴿فلعرفتهم﴾ أي فتعقبت رؤيتك إياهم معرفتك لهم أنت بخصوصك ﴿بسيماهم﴾ أي بسبب علاماتهم التي نجعلها عالية عليهم غالبة لهم في إظهار ضمائرهم عليها لا يقدرون على مدافعتها بوجه، ولم يذكرهم سبحانه بأسمائهم إبقاء على قراباتهم المخلصين من الفتن.
ولما انقضى ما علق بالمشيئة مما كان ممكناً له في الماضي وغيره، عطف عليه ما يجزه له مما كشف من أمرهم في المستقبل فقال مؤكداً لاستبعاد من يستبعد ذلك منهم أو ممن شاركهم في مرض القلب من غيرهم فقال في جواب قسم محذوف دل عليه باللام :﴿ولتعرفنهم﴾ أي بعد هذا الوقت معرفة تتجدد بحسب تجدد أقوالهم مستمرة باستمرار ضمائرهم الخبيثة وإسرارهم ﴿في لحن القول﴾ أي الصادر منهم، ولحنه فحواه أي معناه ومذهبه وما يدل عليه ويلوح به من مثله عن حقائقه إلى عواقبه وما " يؤول إليه " أمره مما يخفى على غيرك، وقال ابن برجان : هو ما تنحوا إليه بلسانك أي تميل إليه ليفطن لك صاحبك وتخفيه على من لم يكن له عهد بمرادك، وعلى القول بالتحقيق فلحن القول ما يبدو من غرض الكلام وخفيات الخطاب وسياق اللفظ وهيئة السحنة حال القول وإن لم يرد المتكلم أن يظهره ولكنه على الأغلب يغلبه حالاً، فلا يقدر على كل كتمه وإن كان في تكليمه معتمداً على ذلك، وحقيقته حال يلوح عن السر وإظهار كلام الباطن يكاد يناقض كلام اللسان بحال خفية ومعان يقف عليها باطن التخاطب وقال :
ولقد لحنت لكم لكيما تفقهوا...
واللحن يعرفه ذوو الألباب
وقال آخر :
عيناك قد دلتا عيناي منك على...
أشياء لولاهما ما كنت أدريها