لما كان مفهوم قوله ﴿أَمْ حَسِبَ الذين فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ الله أضغانهم﴾ [ محمد : ٢٩ ] أن الله يظهر ضمائرهم ويبرز سرائرهم كأن قائلاً قال فلم لم يظهر فقال أخرناه لمحض المشيئة لا لخوف منهم، كما لا تفشى أسرار الأكابر خوفاً منهم ﴿وَلَوْ نَشَاء لأريناكهم﴾ أي لا مانع لنا والإراءة بمعنى التعريف، وقوله ﴿فلتعرفنهم﴾ لزيادة فائدة، وهي أن التعريف قد يطلق ولا يلزمه المعرفة، يقال عرفته ولم يعرف وفهمته ولم يفهم فقال ههنا ﴿فَلَعَرَفْتَهُم﴾ يعني عرفناهم تعريفاً تعرفهم به، إشارة إلى قوة التعريف، واللام في قوله ﴿فَلَعَرَفْتَهُم﴾ هي التي تقع في جزاء لو كما في قوله ﴿لأريناكهم﴾ أدخلت على المعرفة إشارة إلى أن المعرفة كالمرتبة على المشيئة كأنه قال : ولو نشاء لعرفتهم، ليفهم أن المعرفة غير متأخرة عن التعريف فتفيد تأكيد التعريف، أي لو نشاء لعرفناك تعريفاً معه المعرفة لا بعده، وأما اللام في قوله تعالى :﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ﴾ جواب لقسم محذوف كأنه قال ولتعرفنهم والله، وقوله ﴿فِي لَحْنِ القول﴾ فيه وجوه أحدها : في معنى القول وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد من القول قولهم أي لتعرفنهم في معنى قولهم حيث يقولون ما معناه النفاق كقولهم حين مجيء النصر إنا كنا معكم، وقولهم ﴿لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ﴾ [ المنافقون : ٨ ] وقولهم ﴿إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ﴾ [ الأحزاب : ١٣ ] وغير ذلك، ويحتمل أن يكون المراد قول الله عزّ وجل أي لتعرفنهم في معنى قول الله تعالى حيث قال ما تعلم منه حال المنافقين كقوله تعالى :﴿إِنَّمَا المؤمنون الذين ءَامَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ على أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ﴾ [ النور : ٦٢ ] وقوله ﴿إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [ الأنفال : ٢ ] إلى غير ذلك، وثانيها : في ميل القول عن الصواب حيث