وقال الفخر :
اعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها من وجوه.
أحدها : أن الله تعالى بين أنه إنما حول القبلة إلى الكعبة ليتم إنعامه على محمد ـ ﷺ ـ وأمته بإحياء شرائع إبراهيم ودينه على ما قال :﴿وَلأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة : ١٥٠] وكان السعي بين الصفا والمروة من شعائر إبراهيم على ما ذكر في قصة بناء الكعبة وسعى هاجر بين الجبلين فلما كان الأمر كذلك ذكر الله تعالى هذا الحكم عقيب تلك الآية.
وثانيها : أنه تعالى لما قال :﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مّنَ الخوف والجوع﴾ [البقرة : ١٥٥] إلى قوله :﴿وَبَشّرِ الصابرين﴾ قال :﴿إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَائِرِ الله﴾ وإنما جعلهما كذلك لأنهما من آثار هاجر وإسماعيل مما جرى عليهما من البلوى واستدلوا بذلك على أن من صبر على البلوى لا بد وأن يصل إلى أعظم الدرجات وأعلى المقامات.
وثالثها : أن أقسام تكليف الله تعالى ثلاثة.
أحدها : ما يحكم العقل بحسنه في أول الأمر فذكر هذا القسم أولاً وهو قوله :﴿اذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة : ١٥٢] فإن كان عاقل يعلم أن ذكر المنعم بالمدح والثناء والمواظبة على شكره أمر مستحسن في العقول.
وثانيها : ما يحكم العقل بقبحه في أول الأمر إلا أنه بسبب ورود الشرع به يسلم حسنه، وذلك مثل إنزال الآلام والفقر والمحن فإن ذلك كالمستقبح في العقول لأن الله تعالى لا ينتفع به ويتألم العبد منه فكان ذلك كالمستقبح إلا أن الشرع لما ورد به وبين الحكمة فيه، وهي الإبتلاء والامتحان على ما قال :﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ الخوف والجوع﴾ [البقرة : ١٥٥] فحينئذ يعتقد المسلم حسنه وكونه حكمة وصواباً.