قوله تعالى ﴿يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩)﴾
قال أبو السعود :
﴿مَآ أَنزَلْنَا مِنَ البينات﴾ من الآيات الواضحة الدالةِ على أمر محمد ـ ﷺ ـ ﴿والهدى﴾ أي والآياتِ الهاديةِ إلى كُنه أمرِه ووجوب اتباعِه والإيمانِ به، عَبَّر عنها بالمصدر مبالغةً ولم يُجمَعْ مراعاةُ للأصل وهي المرادة بالبينات أيضاً والعطفُ لتغايُر العنوان كما في قوله عز وجل :﴿هُدًى لّلنَّاسِ وبينات﴾ الخ وقيل : المراد بالهدى الأدلةُ العقلية ويأباه الإنزالُ والكتم. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ١ صـ ١٨٢﴾
وقال ابن عرفة : والبينات إما الأدلة، والهدى نتائجها، أو العكس. ويحتمل أن يكون البينات هو الأدلة الشرعية السمعية والهدى الدليل العقلي أو العكس.
قال ابن عرفة : وقع هذا الوعيد في هذه الآية مشوبا بالرجاء لقوله :﴿تَكْتُمُونَ﴾ بلفظ المستقبل ولم يقل كتموا بالماضي (تنبيها على أن ما وقع منهم قبل ذلك معفو عنه لا يتناوله هذا الوعيد). ثم أكد هذا الرجاء برجاء آخر وهو أن الكتم الصادر منهم في المستقبل إنما يعاقبون عليه مع الإصرار عليه والمداومة لقوله :
﴿إِلاَّ الذين تَابُواْ﴾.
قال ابن عرفة : وكرر لفظ ﴿يَلعَنُهُمُ﴾ لوجهين : إما تشريفا لله بذكره وحده إشعارا بالتفاوت الذي بينه وبين (اللاّعنين)، وإما تنبيها على أن لعنة الله تعالى أشد من لعنة (اللاّعنين) فهو إما للتفاوت بين اللّعنين، وهذا كما قال ابن التلمساني في المسألة الثامنة من الباب الأول في حديث الخطيب القائل :" من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ". وتقدم جواب القرافي وعز الدين بن عبد السلام فيه.