قال الزجاج : والصواب قول من قال :" اللاعنون" الملائكة والمؤمنون ؛ فأما أن يكون ذلك لدواب الأرض فلا يوقف على حقيقته إلا بنص أو خبر لازم ولم نجد من ذَيْنِك شيئاً.
قلت : قد جاء بذلك خبر رواه بن عازب رضي الله عنه قال :" قال رسول الله ـ ﷺ ـ في قوله تعالى :﴿يَلعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون﴾ قال. " دواب الأرض" " أخرجه ابن ماجه عن محمد بن الصباح أنبأنا عمار بن محمد عن ليث عن أبي المِنْهال عن زاذان عن البراء ؛ إسناد حسن.
فإن قيل : كيفَ جَمعَ مَن لا يعقل جَمع مَن يعقل ؟.
قيل : لأنه أسند إليهم فعل من يعقل ؛ كما قال ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف : ٤] ولم يقل ساجدات، وقد قال :﴿لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا﴾ [فصلت : ٢٤]، وقال :﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف : ١٩٨]، ومثله كثير، وسيأتي إن شاء الله تعالى. وقال البراء بن عازب وابن عباس :" اللاعنون" كل المخلوقات ما عدا الثقلين : الجن والإنس ؛ وذلك أن النبيّ ـ ﷺ ـ قال :" الكافر إذا ضُرب في قبره فصاح سمعه الكل إلا الثَّقَلَين ولعنه كل سامع " وقال ابن مسعود والسُّدي : هو الرجل يلعن صاحبه فترتفع اللعنة إلى السماء ثم تنحدر فلا تجد صاحبها الذي قيلت فيه أهلاً لذلك، فترجع إلى الذي تكلم بها فلا تجده أهلاً فتنطلق فتقع على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله تعالى ؛ فهو قوله :﴿وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون﴾ فمن مات منهم ارتفعت اللعنة عنه فكانت فيمن بقي من اليهود. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٢ صـ ١٨٧﴾
سؤال : ما سر الالتفات إلى الغيبة ؟
الجواب : والالتفات إلى الغيبة بإظهار اسم الذات لتربية المهابة والإشعار بأن مبدأ صدور اللعن صفة الجلال المغايرة لما هو مبدأ الإنزال والتبيين من صفة الجمال. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٢ صـ ٢٧﴾