إذن فاللعنة موجودة بين الكافرين بعضهم لبعض، كما هي موجودة في الدنيا أيضا، فالذين يكفرون بمنهج الله وينحرفون ويظلمون، هؤلاء يتلقون اللعنة من أهل منهج الله، ويتلقون اللعنة من المظلومين منهم، ثم يأتي لهم موقف آخر، يأتي لهم من يظلمهم، فيلعنونه ويلعنهم، وهكذا يلعنهم الناس أجمعون. واللعن بطرد وغضب وزجر يختلف عن اللعن التأديبي الذي يأخذ صيغة الإبعاد، كما فعل رسول الله ﷺ مع المتخلفين في غزوة تبوك، وغزوة تبوك كانوا يسمونها غزة العسرة، لأنها جاءت في مشقة من كل جهاتها، لبعد المكان بين تبوك والمدينة، ومشقة أخرى من نقص الدواب التي تحمل المقاتلين، فقد كان كل عشرة من المقاتلين يتناوبون على دابة واحدة، ومشقة وعسرة في الزاد، حتى أنهم كانوا يأكلون التمر بدوده، وكانوا يأكلون الشحم والدهن والإهالة الزنخة، وعسرة في الماء حتى أنهم كانوا يذبحون البعير ليشربوا من فرثه وكرشه الماء، وعسرة في الجو القائظ الشديد الحرارة، كانت كل الظروف صعبة وقاسية وتحتم ألا يخرج للغزوة إلا الصادق في يقينه.
لقد كانت تلك الغزوة اختبارا وابتلاء للإيمانية في نفوس الناس. ولذلك فإن بعضهم استسلم لحديث النفس في أن يظل بالمدينة، وقال واحد منهم :" أظل ظليل وراحة ورسول الله ﷺ في القيظ ؟! والله لا يكون هذا أبدا"، ثم قام وتبع جيش المؤمنين، وآخر عنده بستان فيه ظلال وثمار ؛ فنظر إلى بستانه وقال :" أأنت الذي منعتني أن أكون في ركاب رسول الله ؟! والله لا تكون ملكي بعد الآن، وأنت لله في سبيل الله"، وثالث جلس في بيته وأمامه زوجته الجميلة وحوله أشجار وزروع، فقال :" أأجلس في ظل ورطب وماء وامرأة حسناء ورسول الله في حمارة القيظ، والله لا يكون هذا أبدا"، وامتطى حصانه إلى الصحراء لينضم لجيش المسلمين.


الصفحة التالية
Icon