لما بيّن أن عمل الكافر الذي له صورة الحسنات محبط، وذنبه الذي هو أقبح السيئات غير مغفور، بين أن لا حرمة في الدنيا ولا في الآخرة، وقد أمر الله تعالى بطاعة الرسول بقوله ﴿وَأَطِيعُواْ الرسول﴾ [ النساء : ٥٩ ] وأمر بالقتال بقوله ﴿فَلاَ تَهِنُواْ﴾ أي لا تضعفوا بعد ما وجد السبب في الجد في الأمر والاجتهاد في الجهاد فقاله ﴿فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُواْ إِلَى السلم﴾ وفي الآيات ترتيب في غاية الحسن، وذلك لأن قوله ﴿أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول﴾ يقتضي السعي في القتال لأن أمر الله وأمر الرسول ورد بالجهاد وقد أمروا بالطاعة، فذلك يقتضي أن لا يضعف المكلف ولا يكسل ولا يهن ولا يتهاون، ثم إن بعد المقتضي قد يتحقق مانع ولا يتحقق المسبب، والمانع من القتال إما أخروي وإما دنيوي، فذكر الأخروي وهو أن الكافر لا حرمة له في الدنيا والآخرة، لأنه لا عمل له في الدنيا ولا مغفرة له في الآخرة، فإذا وجد السبب ولم يوجد المانع ينبغي أن يتحقق المسبب، ولم يقدم المانع الدنيوي على قوله ﴿فَلاَ تَهِنُواْ﴾ إشارة إلى أن الأمور الدنيوية لا ينبغي أن تكون مانعة من الإتيان، فلا تهنوا فإن لكم النصر، أو عليكم بالعزيمة على تقدير الاعتزام للهزيمة.