ثم قال تعالى بعد ذلك المانع الدنيوي مع أنه لا ينبغي أن يكون مانعاً ليس بموجود أيضاً حيث أنتم الأعلون والأعلون والمصطفون في الجمع حالة الرفع معلوم الأصل، ومعلوم أن الأمر كيف آل إلى هذه الصيغة في التصريف، وذلك لأن أصله في الجمع الموافق أعليون ومصطفيون فسكنت الياء لكونها حرف علة فتحرك ما قبلها والواو كانت ساكنة فالتقى ساكنان ولم يكن بد من حذف أحدهما أو تحريكه والتحريك كان يوقع في المحذور الذي اجتنب منه فوجب الحذف، والواو كانت فيه لمعنى لا يستفاد إلا منها وهو الجمع فأسقطت الياء وبقي أعلون، وبهذا الدليل صار في الجر أعلين ومصطفين، وقوله تعالى :﴿والله مَعَكُمْ﴾ هداية وإرشاد يمنع الملكف من الإعجاب بنفسه، وذلك لأنه تعالى لما قال :﴿وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾ كان ذلك سبب الافتخار فقال :﴿والله مَعَكُمْ﴾ يعني ليس ذلك من أنفسكم بل من الله، أو نقول لما قال :﴿وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾ فكان المؤمنون يرون ضعف أنفسهم وقلتهم مع كثرة الكفار وشوكتهم وكان يقع في نفس بعضهم أنهم كيف يكون لهم الغلبة فقال إن الله معكم لا يبقى لكم شك ولا ارتياب في أن الغلبة لكم وهذا كقوله تعالى :﴿لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي﴾ [ المجادلة : ٢١ ] وقوله ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون﴾ [ الصافات : ١٧٣ ] وقوله ﴿وَلَن يَتِرَكُمْ أعمالكم﴾ وعد آخر وذلك لأن الله لما قال إن الله معكم، كان فيه أن النصرة بالله لا بكم فكان القائل يقول لم يصدر مني عمل له اعتبار فلا أستحق تعظيماً، فقال هو ينصركم ومع ذلك لا ينقص من أعمالكم شيئاً، ويجعل كأن النصرة جعلت بكم ومنكم فكأنكم مستقلون في ذلك ويعطيكم أجر المستبد، والترة النقص، ومنه الموتر كأنه نقص منه ما يشفعه، ويقول عند القتال إن قتل من الكافرين أحد فقد وتروا في أهلهم وعملهم حيث نقص عددهم وضاع عملهم، والمؤمن إن قتل فإنما ينقص من عدده ولم ينقص من عمله، وكيف ولم ينقص من عدده
أيضاً، فإنه حي مرزوق، فرح بما هو إليه مسوق. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٨ صـ ٦١ ـ ٦٤﴾


الصفحة التالية
Icon