وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ﴾
أي نتعبّدكم بالشرائع وإن علمنا عواقب الأمور.
وقيل : لنعاملنكم معاملة المختبرين.
﴿ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين ﴾ عليه.
قال ابن عباس :"حَتَّى نَعْلَمَ" حتى نميّز.
وقال عليّ رضي الله عنه.
"حَتَّى نَعْلَمَ" حتى نرى.
وقد مضى في "البقرة".
وقراءة العامة بالنون في "نَبْلُوَنَّكُمْ" و "نعلم" و "نَبْلُوَ".
وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء فيهنّ.
وروى رُوَيس عن يعقوب إسكان الواو من "نبلو" على القطع مما قبل.
ونصب الباقون ردًّا على قوله :"حَتَّى نَعْلَمَ".
وهذا العلم هو العلم الذي يقع به الجزاء ؛ لأنه إنما يجازيهم بأعمالهم لا بعلمه القديم عليهم.
فتأويله : حتى نعلم المجاهدين علم شهادة ؛ لأنهم إذا أمروا بالعمل يشهد منهم ما عملوا، فالجزاء بالثواب والعقاب يقع على علم الشهادة.
﴿ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ نختبرها ونظهرها.
قال إبراهيم بن الأشعث : كان الفُضيل بن عِياض إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : اللهم لا تبتلينا فإنك إذا بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (٣٢)
يرجع إلى المنافقين أو إلى اليهود.
وقال ابن عباس : هم المطعمون يوم بدر.
نظيرها :﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ الله ﴾ [ الأنفال : ٣٦ ] الآية.
﴿ وَشَآقُّواْ الرسول ﴾ أي عادوه وخالفوه.
﴿ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى ﴾ أي علموا أنه نبيّ بالحجج والآيات.
﴿ لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً ﴾ بكفرهم.
﴿ وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي ثواب ما عملوه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (٣٣)


الصفحة التالية
Icon