ولما كان عماد الجهاد الصبر على المكاره قال تأكيداً لأمره :﴿والصابرين﴾ أي على شدائد الجهاد وغيره من الأنكاد، قال القشيري : فبالابتلاء والامتحان تتبين جواهر الرجال، فيظهر المخلص ويتضح المماذق وينكشف المنافق.
ولما نصب معياراً للعلم بالذوات، أتبعه مسباراً للمعرفة للأخيار، فقال عاطفاً على " نعلم " في رواية الجماعة وعلى " نبلو " في الرواية عن يعقوب بإسكان الواو :﴿ونبلوا أخباركم﴾ أي نخالطها بأن نسلط عليها من يحرفها فيجعل حسنها قبيحاً وقبيحاً مليحاً ليظهر للناس العامل لله والعامل للشيطان، فإن العامل لله إذا سمى قبيحه باسم الحسن علم أن ذلك إحسان من الله إليه فيستحيي منه ويرجع إليه، وإذا سمى حسنه باسم القبيح واشتهر به علم أن ذلك لطف من الله به كيلا يدركه العجب أو يهاجمه الرياء فيزيد في إحسانه، والعامل للشيطان يزداد في القبائح.
لأن شهرته عند الناس محط نظره، ويرجع عن الحسن لأنه لم يوصله إلى ما أراد به من ثناء الناس عليه بالخبر ولم يؤكد بنا، وفي قراءة يعقوب إشارة إلى أن إحالة حال المخبر بعد ظهور خبره أسهل من إحالته قبل ظهوره، وعن الفضيل أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : اللهم لا تبلنا فإنك إن بلوتنا هتكت أستارنا وفضحتنا.
ولما جرت العادة بأن الإنسان لا يعذب ولا يهدد إلى من ضره كما تقدم من الإخبار بنكالهم وقبيح أعمالهم مهيئاً للسؤال عن ذلك فاستأنف قوله مؤكداً لظنهم أنهم هم الغالبون لحزب الله :﴿إن الذين كفروا﴾ أي غطوا من دلت عليه عقولهم من ظاهر آيات الله لا سيما بعد إرسال الرسول المؤيد بواضح المعجزات ـ ﷺ ـ ﴿وصدوا﴾ أي امتنعوا ومنعوا غيرهم زيادة في كفرهم ﴿عن سبيل الله﴾ أي الطريق الواضح الذي نهجه الملك الأعظم.
ولما كان أكثر السياق للمساترين بكفرهم، أدغم في قوله :﴿وشاقوا الرسول﴾ أي الكامل في الرسلية المعروفة غاية المعرفة.


الصفحة التالية
Icon