فقام أبو سفيان في المسجد بمشورة من علي وقال أيها الناس إني قد أجرت بين النّاس وانما فعل هذا وهو لم يجره أحد ليعلم النّاس أنه قد أجير فلا يتعدى عليه أحد وإنما أمره علي بذلك لما رأى - كرم اللّه وجهه - من تلبّكه، فأرشده إلى ذلك ليأمن على نفسه إذ رأى ممن أراد أن يستجير بهم قلب الجن، فاعتراه خوف ورعب وذل وهوان، الجأه إلى فعل ما فعل، ولأنه استجار بابنه الحسن وهو طفل فأبت مروءته إن لم يجره ان يدله على ما إذا قاله ظن النّاس أنه قد أجير، وكان ذلك، ثم رجع إلى مكة آيسا مما كان يتوخاه مبلسا مما رآه.
ولما وصل قصّ على قومه ما لا قاه، ثم أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم الناس بالجهاد، وأعلمهم بأنه سائر إلى مكة، وقال اللّهم خذ العيون والأخبار من قريش حتى نبغتها في بلادها، وإذ ذاك كتب حاطب بن أبي بلتعة الكتاب إلى
قريش يعلمهم بمقدم رسول اللّه وأصحابه، كما تقدمت قصته أول سورة الممتحنة المارة واستخلف رسول اللّه على المدينة أبا دهم كلثوم بن حصين بن عيبنة بن خلف الغفاري، وخرج صلّى اللّه عليه وسلم في عشرة آلاف، وقيل اثنى عشر الفا، ولم يتخلف عنه أحد من المهاجرين والأنصار لعشر يقين من رمضان سنة ثمان من الهجرة، حتى نزل بحر الظهران، وقد أعمى اللّه الأخبار عن قريش، ولقى العباس مهاجرا بأهله في الطريق وهو آخر من هاجر، فحمله رسول اللّه على بغلته وقال ووا صباح قريش واللّه لئن دخل رسول اللّه مكة عنوة ليكون إهلاكا لقريش إلى آخر الدّهر.


الصفحة التالية
Icon