وكأن قائلا يقول كيف نصره اللّه مع قلة عدده وعدده بالنسبة إلى أعدائه ؟ فقال تعالى جل قوله "وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" لا يكاثر ولا يغالب ولا يقابل إذ يجعلهم عونا للمؤمنين على أعدائهم ويكثر سوادهم ويقلل أعدائهم بأعينهم "وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً" بجنوده الموجودين فيهما وكثرتهم وقوتهم "حَكِيماً" (٤) في نصر نبيه وأصحابه على أعدائهم بإراءتهم القليل كثيرا لإيقاع الرّعب والخوف والذل في قلوب أعدائه، وإذا أراد أرسل صاعقة تدمرهم أو صيحة من أحد ملائكته تقصف قلوبهم فتميتهم حالا، أو يخسف بهم الأرض أو يغرقهم في الماء فيهلكهم عن آخرهم، كما فعل بالأمم السّابقة، وهو القادر على إلقاء الرّعب في قلوب أعدائه والجبن والخوف من أوليائه، ويلقي الثبات في قلوب المؤمنين فيبيدوا أعداءهم مهما كانوا، وهو القادر على إبادة الكفار بما أراد من عذاب دون سبب، ولكنه أراد أن يقهرهم ويهلكهم بصورة ظاهرة بواسطة جيشه المبارك الذي تسلح بقوة اليقين ومتانة الايمان ووقاية العزم وحماية الحزم.
وقاية اللّه أغنت عن مضاعفة من الدّروع وعن عال من الأطم
"لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ" الّذين جاهدوا معه "جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ" بسبب طاعتهم وثباتهم وبذل أموالهم وأنفسهم فى إعلاء كلمة اللّه ونصرة رسوله ويجعلهم "خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ" قبل دخولها، ثم بدخلهم فيها طاهرين مطهرين "وَكانَ ذلِكَ" التكفير والتخليد في تلك الجنّات "عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً" (٥) لهم لا أعظم منه، ولهذا جعل النصر والفتح على ما كان من بروزهم وجهادهم طائفين مختارين، ولا يخفى أن العطف بالواو لا يفيد تعقيبا ولا ترتيبا، ولهذا جاءت جملة (وَيُكَفِّرَ) بعد جملة ليدخل.