وما قيل إن ضمير تعزروه فما بعده لحضرة الرّسول وضمير تسبحوه لجلالة الإله لا يصح إلّا أن يجعل الوقف على وتوقروه وقفا تاما ثم يبتدأ مستأنفا بما بعده، وهذا بعيد، لذلك جرينا على خلافه وهو الأولى والأحسن بدليل التعليل أول الآية واجراء نسق العطف على ما هو عليه وقرئت هذه الأفعال كلها بالتاء دلالة على ذلك، ويجوز قراءتها بالياء على التبعة بطريق الالتفات والمعنى على ما هما عليه.
وهذه الآيات التي نزلت بالطريق بعد منصرف رسول اللّه من الحديبية كما أشرنا إليه أول السّورة.
قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ" أي المبايعين والمبايع له، واعلموا أيها المؤمنون انكم ألزمتم أنفسكم في هذه المبايعة الشّريفة النّصرة
لحضرة الرّسول بصورة المعاهدة والمواثقة "فَمَنْ نَكَثَ" فيها ونقض عهده الذي أعطاه لك يا سيد الرّسل "فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ" ولن يضرّ اللّه شيئا بل يعود ضرره على نفسه "وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ" في هذه البيعة والعهد "فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً" (١٠) في الآخرة وفخرا كبيرا في الدنيا.
واعلم أن الهاء في عليه المارة في هذه الآية تقرأ بالضمّ، ولا يوجد في القرآن غير هذه الهاء مضمومة بعد على تفخيما للفظة الجلالة، وأجمعت القراء عليه بالتلقي من حضرة الرّسول وأصحابه من بعده، ويوجد في الآية ٦٩ من سورة الفرقان في ج ١ (فِيهِ) تقرأ بإشباع الهاء كسرا، كذلك وردت بالتلقي أيضا فلا يجوز كسر الأوّل ولا تخفيف الثاني تبعا لقواعد الإعراب والنّطق لأنهما مستقاة من القرآن والمنزل عليه.
واعلم أن هذه البيعة هي الواقعة تحت الشّجرة في الحديبية المشار إليها في الآية ١٧ من سورة الممتحنة المارة، ومعنى المبايعة هي العقد الذي يعقده الإنسان على نفسه من بذل طاعته