تابوا وأنابوا ونصحوا، وقد فسح لهم الأمل بقوله جل قوله "وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" يقيم فيهما من يشاء من خلقه وكلّ من وما فيهما ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء، ويختار طائعهم وعاصيهم "يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً" (١٥) بخلقه لا يزال يقبلهم
إذا رجعوا إليه مخلصين، ثم ان حضرة الرّسول بعد أن وصلوا المدينة صار يعرض بغزو خيبر لأن اللّه فتحها وتخصيص غنائمها بالّذين شهدوا الحديبية وأخبره اللّه بما سيقول الّذين لم يشهدوها معه بقوله "سَيَقُولُ" لك "الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ" وقد أظهر اللّه تعالى كذب عذرهم في قولهم هذا لأنهم لم يحتجّوا بأشغالهم وأموالهم وأهليهم كما ذكروا قبل عند طلبهم الاستغفار لما في هذه الغزوة من أمل الغنيمة، بخلاف الحديبية لأنها كانت للزيارة فقط، وبان بهذا أن مبنى حالهم على الطّمع ليس إلا "يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا" بطلبهم هذا الالتحاق معكم "كَلامَ اللَّهِ" الأزلي القاضي بعدم ذهابهم وباختصاص غنائم خبير لأهل الحديبية، فإذا قبلتم طلبهم فينبغي أن تشركوهم بالغنائم، واللّه تعالى لم يرد ذلك، فكأنهم غيروا كلام اللّه، وهذا هو قصدهم ليس إلّا فيا سيد الرّسل "قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا" أبدا ما دمتم على نفاقكم لا مطلقا لمنافاته لما يأتي بعد "كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ" وأوحى إلى نبيه به "مِنْ قَبْلُ" وصول المدينة أثناء رجوعه من الحديبية لا الآن "فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا"
على ما يصيبنا مما تعنونه.
قال تعالى "بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا" (١٥) من كلام اللّه مما فيه نفع لهم فقط وهذا هو الذي سبب حرمانهم لا من كون المؤمنين يحمدونهم.


الصفحة التالية
Icon