"وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها" فهي مؤخرة تأتيكم بعد "قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها" وحفظها لكم ومنع الغير من تناولها حتى وإن فتحها من قبلكم أيها المؤمنون فتأخذونها أيضا قال ابن عباس هي فارس والرّوم، لأن العرب كانت لا تقدر على قتالهما، وكان ذلك زمن الخلفاء الرّاشدين.
وهذا من الإخبار بالغيب فيدخل فيه كلّ ما وقع من الفتوحات والغنائم بعد نزول هذه الآية، سواء الذي زمن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلم أو زمن الخلفاء الرّاشدين فمن بعدهم "وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً" (٢١) بذل لعظمته كلّ شيء ولا يعجزه شيء فتشمل هذه الآية كلّ فتح وغنيمة حازها المسلمون مما وقع ويقع إلى آخر الدّوران، فنسأل اللّه أن يقدرهم على إعادة عزّهم وعلو كلمتهم، ويجمع شملهم، ويوحد خطتهم، إنه على كلّ شيء قدير وبالإجابة جدير، وما شيء على اللّه بعزيز.
قال تعالى "وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا" من أسد وغطفان حلفاء خيبر، وذلك لنهم قالوا لبعضهم إذا اشتغل المسلمون بحرب حلفائنا أهل خيبر نميل عليهم فنسبي ذراريهم فمنعهم اللّه بإلقاء الخوف في قلوبهم ولذلك قال "لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ" منهزمين "ثُمَّ لا يَجِدُونَ" لو أقدموا على قتالكم "وَلِيًّا" يواليهم عليكم "وَلا نَصِيراً" (٢٢) ينصرهم أبدا.
واعلموا أن ما يفعله اللّه لأوليائه من النّصر خذلان لأعدائه، وليس هذا بأمر مبتدع بل هو "سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ" في نصرة أحبابه وكبح أعدائه الجارية قبل للأنبياء وأتباعهم جارية لك ولأصحابك يا محمد "وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا"
(٢٣) ولا تغييرا بل تبقى مستمرة للرسل وأتباعهم إذا ساروا على سنتهم مادام الملوان، وإن اللّه كما أنجز وعده لمن قبلك منجزه لك، لا يحول دون ما يريده حائل البتة.