لربهم جل وعلا "فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً" لا سمعة ولا رياء ولا غرضا ولا عوضا "سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ" نورا ساطعا يوم القيامة "مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ" غرّة في جباههم وتجميلا في أيديهم وأرجلهم، يسطع نورا أيضا من آثار الوضوء فإنهم يحشرون غرا محجّلين كما جاء في الحديث الصّحيح، لأعضائهم بريق ولمعان يعرفون بهما بين النّاس "ذلِكَ" المثل الموصوف به محمد وأتباعه في هذا القرآن هو "مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ" أيضا، وقد تم الكلام هنا فينبغي أن يوقف عليه ثم يبتدأ القارئ مستأنفا بقوله تعالى "وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ" فراخه وما تفرع عنه في جوانبه أي شواطئه "فَآزَرَهُ" عضده وقواه ومكنّه "فَاسْتَغْلَظَ" ذلك الزرع وقوي وتمكن "فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ" أصوله وقصبه وجذوعه وصار "يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ" بادي الرّأي لحسن نباته وكثرة فروعه وقوة جذوره، وهذا مثل ضربه اللّه تعالى إلى سيدنا محمد وأصحابه في الإنجيل بان قوما يخرجون بعد فينبتون نبات الزرع أي يكونون قليلين ثم يكثرون، فالزرع محمد والفروع أصحابه والمؤمنون به، وإنما جعلهم اللّه كذلك "لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ" ويوقع في قلوبهم الرّعب منهم بسبب اتحادهم ومحبتهم بعضهم لبعض، وتعاونهم على عدوهم، وبذلك "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً" لذنوبهم وسترا لعيوبهم في الدّنيا "وَأَجْراً عَظِيماً" (٢٩) في الآخرة، وهذا مما يزيد غيظ الكافرين فضلا عن أنه تعالى وعدهم النصر في الدّنيا والعزة في العقبى.