واعلم أنه قدم المنافقين على المشركين في الذكر في كثير من المواضع لأمور أحدها : أنهم كانوا أشد على المؤمنين من الكافر المجاهر لأن المؤمن كان يتوقى المشرك المجاهر وكان يخالط المنافق لظنه بإيمانه، وهو كان يفشي أسراره، وإلى هذا أشار النبي ﷺ بقوله :" أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك " والمنافق على صورة الشيطان فإنه لا يأتي الإنسان على أني عدوك، وإنما يأتيه على أني صديقك، والمجاهر على خلاف الشيطان من وجه، ولأن المنافق كان يظن أن يتخلص للمخادعة، والكافر لا يقطع بأن المؤمن إن غلب يفديه، فأول ما أخبر الله أخبر عن المنافق وقول ﴿الظانين بالله ظَنَّ السوء﴾ هذا الظن يحتمل وجوهاً أحدها : هو الظن الذي ذكره الله في هذه السورة بقوله ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول﴾ [ الفتح : ١٢ ] ثانيها : ظن المشركين بالله في الإشراك كما قال تعالى :﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ﴾ إلى أن قال :﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئاً﴾ [ النجم : ٢٣ ٢٨ ] ثالثها : ظنهم أن الله لا يرى ولا يعلم كما قال :﴿ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [ فصلت : ٢٢ ] والأول أصح أو نقول المراد جميع ظنونهم حتى يدخل فيه ظنهم الذي ظنوا أن الله لا يحيي الموتى، وأن العالم خلقه باطل، كما قال تعالى :﴿ذلك ظَنُّ الذين كَفَرُواْ﴾ [ ص : ٢٧ ] ويؤيد هذا الوجه الألف واللام الذي في السوء وسنذكره في قوله ﴿ظَنَّ السوء﴾ وفيه وجوه أحدها : ما اختاره المحققون من الأدباء، وهو أن السوء صار عبارة عن الفساد، والصدق عبارة عن الصلاح يقال مررت برجل سوء أي فاسد، وسئلت عن رجل صدق أي صالح، فإذا كان مجموع قولنا رجل سوء يؤدي معنى قولنا فاسد، فالسوء وحده يكون بمعنى الفساد، وهذا ما اتفق عليه الخليل والزجاج واختاره الزمخشري، وتحقيق هذا