أن السوء في المعاني كالفساد في الأجساد، يقال ساء مزاجه، وساء خلقه، وساء ظنه، كما يقال فسد اللحم وفسد الهواء، بل كان ما ساء فقد فسد وكل ما فسد فقد ساء غير أن أحدهما كثير الاستعمال في المعاني والآخر في الأجرام قال الله تعالى :﴿ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر﴾ [ الروم : ٤١ ] وقال :﴿سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [ التوبة : ٩ ] هذا ما يظهر لي من تحقيق كلامهم.
ثم قال تعالى :﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء﴾ أي دائرة الفساد وحاق بهم الفساد بحيث لا خروج لهم منه.
ثم قال تعالى :﴿وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ﴾ زيادة في الإفادة لأن من كان به بلاء فقد يكون مبتلى به على وجه الامتحان فيكون مصاباً لكي يصير مثاباً، وقد يكون مصاباً على وجه التعذيب فقوله ﴿وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ﴾ إشارة إلى أن الذي حاق بهم على وجه التعذيب وقوله ﴿وَلَعَنَهُمُ﴾ زيادة إفادة لأن المغضوب عليه قد يكون بحيث يقنع الغاضب بالعتب والشتم أو الضرب، ولا يفضي غضبه إلى إبعاد المغضوب عليه من جنابه وطرده من بابه، وقد يكون بحيث يفضي إلى الطرد والإبعاد، فقال :﴿وَلَعَنَهُمُ﴾ لكون الغضب شديداً، ثم لما بيّن حالهم في الدنيا بيّن مآلهم في العقبى قال :﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً﴾ وقوله ﴿سَاءتْ﴾ إشارة لمكان التأنيث في جهنم يقال هذه الدار نعم المكان، وقوله تعالى :
﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض﴾ [ الفتح : ٤ ] قد تقدم تفسيره، وبقي فيه مسائل :
المسألة الأولى :
ما الفائدة في الإعادة ؟ نقول لله جنود الرحمة وجنود العذاب أو جنود الله إنزالهم قد يكون للرحمة، وقد يكون للعذاب فذكرهم أولى لبيان الرحمة بالمؤمنين قال تعالى :﴿وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً﴾ [ الأحزاب : ٤٣ ] وثانياً لبيان إنزال العذاب على الكافرين.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon