قال هناك ﴿وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً﴾ [ الفتح : ٤ ] وهنا ﴿وَكَانَ الله عَزِيزاً حَكِيماً﴾ لأن قوله ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض﴾ [ الفتح : ٤ ] قد بينا أن المقصود من ذكرهم الإشارة إلى شدة العذاب فذكر العزة كما قال تعالى :﴿أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِي انتقام﴾ [ الزمر : ٣٧ ] وقال تعالى :﴿فأخذناهم أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ [ القمر : ٤٢ ] وقال تعالى :﴿العزيز الجبار﴾ [ الحشر : ٢٣ ].
المسألة الثالثة :
ذكر جنود السموات والأرض قبل إدخال المؤمنين الجنة، وذكرهم ههنا بعد ذكر تعذيب الكفار وإعداد جنهم، نقول فيه ترتيب حسن لأن الله تعالى ينزل جنود الرحمة فيدخل المؤمنين مكرمين معظمين الجنة ثم يلبسهم خلع الكرامة بقوله ﴿وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم﴾ [ الفتح : ٥ ] كما بينا ثم تكون لهم القربى والزلفى بقوله ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ الله فَوْزاً عَظِيماً﴾ وبعد حصول القرب والعندية لا تبقى واسطة الجنود فالجنود في الرحمة أولاً ينزلون ويقربون آخراً وأما في الكافر فيغضب عليه أولاً فيبعد ويطرد إلى البلاد النائية عن ناحية الرحمة وهي جهنم ويسلط عليهم ملائكة العذاب وهم جنود الله كما قال تعالى :﴿عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ﴾ [ التحريم : ٦ ] ولذلك ذكر جنود الرحمة أولاً والقربة بقوله عند الله آخراً، وقال ههنا ﴿غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمُ﴾ وهو الإبعاد أولاً وجنود السموات والأرض آخراً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٨ صـ ٧١ ـ ٧٤﴾