وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) ﴾
قال قوم فيما حكى الزهراوي ﴿ فتحنا لك ﴾ يريد به فتح مكة، وحكاه الثعلبي أيضاً، ونسبه النقاش إلى الكلبي. وأخبره تعالى به على معنى : قضينا به. والفتاح : القاضي بلغة اليمن، وقيل المراد :﴿ إنا فتحنا لك ﴾ بأن هديناك إلى الإسلام ليغفر. وقال جمهور الناس : والصحيح الذي تعضده قصة الحديبية أن قوله :﴿ إنا فتحنا لك ﴾ إنما معناه : إن ما يسر الله لك في تلك الخرجة فتح مبين تستقبله، ونزلت السورة مؤنسة للمؤمنين، لأنهم كانوا استوحشوا من رد قريش لهم ومن تلك المهادنة التي هادنهم النبي عليه السلام فنزلت السورة مؤنسة لهم في صدهم عن البيت ومذهبه : ما كان في قلوبهم، ومنه حديث عمر الشهير وما قاله للنبي عليه السلام ولأبي بكر واستقبل رسول الله ﷺ في تلك السفرة أنه هادن عدوه ريثما يتقوى هو، وظهرت على يديه آية الماء في بئر الحديبية حيث وضع فيه سهمه وثاب الماء حتى كفى الجيش، واتفقت بيعة الرضوان وهي الفتح الأعظم، قاله جابر بن عبد الله والبراء بن عازب. وبلغ هديه محله، قاله الشعبي واستقبل فتح خيبر، وامتلأت أيدي المؤمنين خيراً، ولم يفتحها إلا أهل الحديبية ولم يشركهم فيها أحد.
قال القاضي أبو محمد : وفيه نظر، لأن أصحاب السفينة مع جعفر بن أبي طالب شاركوهم في القسم، فينبغي أن يقال لم يشاركهم أحد من المتخلفين عن الحديبية، واتفقت في ذلك الوقت ملحمة عظيمة بين الروم وفارس ظهرت فيها الروم، فكانت من جملة الفتح على رسول الله ﷺ، وسر بها هو والمؤمنون لظهور أهل الكتاب على المجوس وانخضاد الشوكة العظمة من الكفر.


الصفحة التالية
Icon