ثم عظم الله أمر نبيه بأن نبأه أنه غفر له ﴿ ما تقدم ﴾ من ذنبه ﴿ وما تأخر ﴾، فقوله :﴿ ليغفر ﴾ هي لام كي، لكنها تخالفها في المعنى والمراد هنا أن الله فتح لك لكي يجعل ذلك أمارة وعلامة لغفرانه لك، فكأنها لام صيرورة، ولهذا قال عليه السلام :" لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة هي أحب إليّ من الدنيا ". وقال الطبري وابن كيسان المعنى :﴿ إنا فتحنا لك ﴾ فسبح بحمد ربك واستغفره ليغفر لك، وبنيا هذه الآية مع قوله تعالى :﴿ إذا جاء نصر الله والفتح ﴾ [ النصر : ١ ] السورة إلى آخرها.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف من وجهين أحدهما : أن سورة، ﴿ إذا جاء نصر الله والفتح ﴾ [ النصر : ١ ] إنما نزلت من أخر مدة النبي عليه السلام ناعية له نفسه حسبما قال ابن عباس عندما سأل عمر عن ذلك. والآخر : أن تخصيص النبي عليه السلام بالتشريف كان يذهب، لأن كل أحد من المؤمنين هو مخاطب بهذا الذي قال الطبري، أي سبح واستغفر لكي يغفر الله، ولا يتضمن هذا أن الغفران قد وقع، وما قدمناه أولاً يقتضي وقوع الغفران للنبي عليه السلام، ويدل على ذلك قول الصحابة له حين قام حتى تورمت قدماه : أتفعل هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال :
" أفلا أكون عبداً شكوراً " فهذا نص في أن الغفران قد وقع. وقال منذر بن سعيد المعنى : مجاهدتك بالله المقترنة بالفتح هي ليغفر. وحكى الثعلبي عن الحسن بن الفضل أن المعنى :﴿ إنا فتحنا لك ﴾ فاستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ﴿ ليغفر لك ﴾ الآية، وهذا نحو قول الطبري.