وكذلك يظن الناس بالجماعة المؤمنة. الناس من أمثال أولئك الأعراب المنقطعين عن الله. البور الخالية قلوبهم من الروح والحياة. هكذا يظنون دائماً بالجماعة المؤمنة عندما يبدو أن كفة الباطل هي الراجحة، وأن قوى الأرض الظاهرة في جانب أهل الشر والضلال ؛ وأن المؤمنين قلة في العدد، أو قلة فى العدة، أو قلة في المكان والجاه والمال. هكذا يظن الأعراب وأشباههم في كل زمان أن المؤمنين لا ينقلبون إلى أهليهم أبداً إذا هم واجهوا الباطل المنتفش بقوته الظاهرة. ومن ثم يتجنبون المؤمنين حباً للسلامة ؛ ويتوقعون في كل لحظة أن يستأصلوا وأن تنتهي دعوتهم فيأخذون هم بالأحوط ويبعدون عن طريقهم المحفوف بالمهالك! ولكن الله يخيب ظن السوء هذا ؛ ويبدل المواقف والأحوال بمعرفته هو، وبتدبيره هو، وحسب ميزان القوى الحقيقية. الميزان الذى يمسكه الله بيده القوية، فيخفض به قوماً ويرفع به آخرين، من حيث لا يعلم المنافقون الظانون بالله ظن السوء في كل مكان وفي كل حين!
إن الميزان هو ميزان الإيمان. ومن ثم يرد الله أولئك الأعراب إليه ؛ ويقرر القاعدة العامة للجزاء وفق هذا الميزان، مع التلويح لهم برحمة الله القريبة والإيحاء إليهم بالمبادرة إلى اغتنام الفرصة، والتمتع بمغفرة الله ورحمته :
﴿ ومن لم يؤمن بالله ورسوله، فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً. ولله ملك السماوات والأرض، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وكان الله غفوراً رحيماً ﴾..
لقد كانوا يعتذرون بأموالهم وأهليهم. فماذا تنفعهم أموالهم وأهلوهم في هذه السعير المعدة لهم إذا لم يؤمنوا بالله ورسوله؟ إنهما كفتان فليختاروا هذه أو تلك على يقين. فإن الله الذي يوعدهم هذا الإيعاد، هو مالك السماوات والأرض وحده. فهو الذي يملك المغفرة لمن يشاء، وهو الذي يملك العذاب لمن يشاء.


الصفحة التالية
Icon