﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِناً﴾ [ النساء : ٩٤ ] ومع القول بإسلامهم ما كان يجوز أن يمنعهم ما كان من الجهاد في سبيل الله مع وجوبه عليهم وكان ذلك مقيداً، وقد تبيّن حسن حالهم، فإن النبي ﷺ دعاهم إلى جهاد فأطاعه قوم وامتنع آخرون، وظهر أمرهم وعلم من استمر على الكفر ممن استقر قلبه على الإيمان الثاني : المراد من قوله ﴿لَّن تَتَّبِعُونَا﴾ [ الفتح : ١٥ ] في هذا القتال فحسب وقوله ﴿لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ﴾ [ التوبة : ٨٣ ] كان في غير هذا وهم المنافقون الذين تخلفوا في غزوة تبوك، وأما اتفاق الجمهور فنقول لا مخالفة بيننا وبينهم لأنا نقول النبي ﷺ دعاهم أولاً، وأبو بكر رضي الله عنه أيضاً دعاهم بعد معرفته جواز ذلك من فعل النبي ﷺ، إنما نحن نثبت أن النبي ﷺ دعاهم فإن قالوا أبو بكر رضي الله عنه دعاهم لم يكن بين القولين تناف، وإن قالوا لم يدعهم النبي ﷺ فالنفي والجزم به في غاية البعد لجواز أن يكون ذلك قد وقع، وكيف لا والنبي عليه الصلاة والسلام قال من كلام الله ﴿إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني﴾ [ آل عمران : ٣١ ] وقال :﴿واتبعون هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ﴾ [ الزخرف : ٦١ ] ومنهم من أحب الله واختار اتباع النبي محمد ﷺ لأن بقاء جمعهم على النفاق والكفر بعد ما اتسعت دائرة الإسلام واجتمعت العرب على الإيمان بعيد، ويوم قوله ﷺ ﴿لَّن تَتَّبِعُونَا﴾ كان أكثر العرب على الكفر والنفاق، لأنه كان قبل فتح مكة وقبل أخذ حصون كثيرة.