وأما قوله لم يبق للنبي ﷺ حرب مع أولي بأس شديد، قلنا لا نسلم ذلك لأن النبي ﷺ عام الحديبية دعاهم إلى الحرب لأنه خرج محرماً ومعه الهدي ليعلم قريش أنه لا يطلب القتال وامتنعوا فقال ستدعون إلى الحرب ولا شك أن من يكون خصمه مسلحاً محارباً أكثر بأساً ممن يكون على خلاف ذلك فكان قد علم من حال مكة أنهم لا يوقرون حاجاً ولا معتمراً فقوله ﴿أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ يعني أولي سلاح من آلة الحديد فيه بأس شديد، ومن قال بأن الداعي أبو بكر وعمر تمسك بالآية على خلافتهما ودلالتها ظاهرة، وحينئذ ﴿تقاتلونهم أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ إشارة إلى أن أحدهما يقع، وقرىء ﴿أَوْ يسلموا﴾ بالنصب بإضمار أن على معنى تقاتلونهم إلى أن يسلموا، والتحقيق فيه هو أن ﴿أَوْ﴾ لا تجيء إلا بين المتغايرين وتنبىء عن الحصر فيقال العدد زوج أو فرد، ولهذا لا يصح أن يقال هو زيد أو عمرو، ولهذا يقال العدد زوج أو خمسة أو غيرهما، إذا علم هذا فقال القائل لألزمنك أو تقضيني حقي يفهم منه أن الزمان انحصر في قسمين : قسم يكون فيه الملازمة، وقسم يكون فيه قضاء الحق، فلا يكون بين الملازمة وقضاء الحق زمان لا يوجد فيه الملازمة ولا قضاء الحق، فيكون في قوله لألزمنك أو تقضيني، كما حكي في قول القائل، لألزمنك إلى أن تقضيني، لامتداد زمان الملازمة إلى القضاء، وهذا ما يضعف قول القائل الداعي هو عمر والقوم فارس والروم لأن الفريقين يقران بالجزية، فالقتال معهم لا يمتد إلى الإسلام لجواز أن يؤدوا الجزية، وقوله تعالى :﴿فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ الله أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مّن قَبْلُ﴾ فيه فائدة لأن التولي إذا كان بعذر كما قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon