ولما كان في علمه سبحانه وتعالى أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مقرون فيها إلا من لا يمكنه في العادة أن يهزمهم ليحوي الغنائم، فكان ما في علمه تعالى لتحققه كالذي وقع وانقضى، قال تعالى :﴿لم تقدروا﴾ أي بما علمتم من قراركم ﴿عليها﴾ ولما توقع السامع بعد علمه بعجزهم عنها الإخبار عن السبب الموصل إلى أخذها بما تقرر عند من صدق الوعد بها، قال مفتتحاً بحرف التوقع :﴿قد أحاط الله﴾ أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة ﴿بها﴾ فكانت بمنزلة ما أدير عليه سورة مانع من أن يغلب منها شيء عن حوزتكم أو يقدر غيركم أن يأخذ منها شيئاً، ولذلك وللتعميم ختم الآية بقوله :﴿وكان الله﴾ أي المحيط بجميع صفات الكمال أزلاً وأبداً ﴿على كل شيء﴾ منها ومن غيرها ﴿قديراً﴾ بالغ القدرة لأنه بكل شيء عليم.
ولما قدم سبحانه أنه كف أيدي الناس عنكم أجمعين، ذكر حكمهم لو وقع قتال، فقال مقرراً لقدرته عاطفاً على نحو : فلو أراد لمكنكم من الاعتمار، مؤكداً لأجل استبعاد من يستبعد ذلك من الأعراب وغيرهم :﴿ولو قاتلكم﴾ أي في هذا الوجه ﴿الذين كفروا﴾ أي أوقعوا هذا الوصف من الناس عموماً الراسخ فيه ومن دونه، وهم أهل مكة ومن لاقهم، وكانوا قد اجتمعوا وجمعوا الأحابيش ومن أطاعهم وقدموا خالد بن الوليد طليعة لهم إلى كراع الغميم، ولم يكن أسلم بعد ﴿لولوا﴾ أي بغاية جهدهم ﴿الأدبار﴾ منهزمين.
ولما كان عدم نصرهم بعد التولية مستبعداً أيضاً لما لهم من كثرة الإمداد وقوة الحمية، قال معبراً بأداة البعد :﴿ثم﴾ أي بعد طول الزمان وكثرة الأعوان ﴿لا يجدون﴾ في وقت من الأوقات ﴿ولياً﴾ أي يفعل معهم فعل القريب من الحياطة والشفقة والحراسة من عظيم ما يحصل من رعب تلك التولية ﴿ولا نصيراً ﴾.


الصفحة التالية
Icon