فصل


قال الفخر :
﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾
اعلم أن طاعة كل واحد منهما طاعة الآخر فجمع بينهما بياناً لطاعة الله، فإن الله تعالى لو قال : ومن يطع الله، كان لبعض الناس أن يقول : نحن لا نرى الله ولا نسمع كلامه، فمن أين نعلم أمره حتى نطيعه ؟ فقال طاعته في طاعة رسوله وكلامه يسمع من رسوله.
ثم قال :﴿وَمَن يَتَوَلَّ﴾ أي بقلبه، ثم لما بيّن حال المخلفين بعد قوله ﴿إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله﴾ [ الفتح : ١٠ ] عاد إلى بيان حالهم وقال :﴿لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ من الصدق كما علم ما في قلوب المنافقين من المرض ﴿فَأنزَلَ السكينة عَلَيْهِمْ﴾ حتى بايعوا على الموت، وفيه معنى لطيف وهو أن الله تعالى قال قبل هذه الآية ﴿وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جنات﴾ [ الفتح : ١٧ ] فجعل طاعة الله والرسول علامة لإدخال الله الجنة في تلك الآية، وفي هذه الآية بيّن أن طاعة الله والرسول وجدت من أهل بيعة الرضوان، أما طاعة الله فالإشارة إليها بقوله ﴿لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين﴾ وأما طاعة الرسول فبقوله ﴿إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة﴾ بقي الموعود به وهو إدخال الجنة أشار إليه بقوله تعالى :﴿لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين﴾ لأن الرضا يكون معه إدخال الجنة كما قال تعالى :﴿وَيُدْخِلُهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا رَضِيَ الله عَنْهُمْ﴾ [ المجادلة : ٢٢ ].


الصفحة التالية
Icon