واختلف الناس في معنى الاستثناء في هذه الآية، فقال بعض المتأولين هو استثناء من الملك المخبر للنبي عليه السلام في نومه، فذكر الله تعالى مقالته كما وقعت، وقال آخرون هو أخذ من الله تعالى عباده بأدبه في استعماله في كل فعل يوجب وقوعه، كان ذلك مما يكون ولا بد، أو كان مما قد يكون وقد لا يكون، وقال بعض العلماء : إنما استثنى من حيث كل واحد من الناس متى رد هذا الوعد إلى نفسه أمكن أن يتم الوعد فيه وأن لا يتم، إذ قد يموت الإنسان أو يمرض أو يغيب، وكل واحد في ذاته محتاج إلى الاستثناء، فلذلك استثنى عز وجل في الجملة، إذ فيهم ولا بد من يموت أو يمرض. وقال آخرون : استثنى لأجل قوله :﴿ آمنين ﴾ لأجل إعلامه بالدخول، فكأن الاستثناء مؤخر عن موضعه، ولا فرق بين الاستثناء من أجل الأمن أو من أجل الدخول، لأن الله تعالى قد أخبر بهما ووقت الثقة بالأمرين، فالاستثناء من أيهما كان فهو استثناء من واجب. وقال قوم :﴿ إن ﴾ بمعنى إذ فكأنه قال : إذ شاء الله.
قال القاضي أبو محمد : وهذا حسن في معناه، ولكن كون ﴿ إن ﴾ بمعنى إذ غير موجود في لسان العرب، وللناس بعد في هذه الاستثناء أقوال مخلطة غير هذه، اختصرت ذكرها، لأنها لا طائل فيها.
وقرأ ابن مسعود :" إن شاء الله لا تخافون " بدل ﴿ آمنين ﴾.
ولما نزلت هذه الآية، علم المسلمون أن تلك الرؤيا فيما يستأنفون من الزمن، واطمأنت قلوبهم بذلك وسكنت، وخرجت في العام المقبل، خرج رسول الله ﷺ إلى مكة في ذي القعدة سنة سبع، ودخلها ثلاثة أيام هو وأصحابه، وصدقت رؤياه صلى الله عليه وسلم.
وقوله :﴿ فعلم ما لم تعلموا ﴾ يريد ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدة ودخول الناس فيه، وما كان أيضاً بمكة من المؤمنين دفع الله بهم. وقوله تعالى :﴿ من دون ذلك ﴾، أي من قبل ذلك وفيما يدنو إليكم.


الصفحة التالية
Icon