وهذا مثل ضربه الله تعالى لأصحاب النبيّ ﷺ ؛ يعني أنهم يكونون قليلاً ثم يزدادون ويكثرون ؛ فكان النبيّ ﷺ حين بدأ بالدعاء إلى دينه ضعيفاً فأجابه الواحد بعد الواحد حتى قَوِيَ أمره ؛ كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفاً فيقوى حالاً بعد حال حتى يغلظ نباتُه وأفراخُه.
فكان هذا من أصح مَثَل وأقوى بيان.
وقال قتادة : مثل أصحاب محمد ﷺ في الإنجيل مكتوب أنه سيخرج من قوم ينبتون نبات الزرع، يأمرون بالمعروف ويَنْهَوْن عن المنكر.
﴿ فَآزَرَهُ ﴾ أي قوّاه وأعانه وشدّه ؛ أي قوّى الشطءُ الزرع.
وقيل بالعكس، أي قوّى الزرع الشطء.
وقراءة العامة "آزَرَهُ" بالمدّ.
وقرأ ابن ذكوان وأبو حَيْوَة وحُميد بن قيس "فَأَزَرَهُ" مقصورة، مثل فَعَلَه.
والمعروف المدّ.
قال امرؤ القيس :
بمَحْنِيَة قد آزر الضّالَ نَبْتُها...
مَجَرّ جيوش غَانمين وخُيَّبِ
﴿ فاستوى على سُوقِهِ ﴾ على عوده الذي يقوم عليه فيكون ساقاً له.
والسوق : جمع الساق.
﴿ يُعْجِبُ الزراع ﴾ أي يعجب هذا الزرع زرّاعه.
وهو مَثَلٌ كما بيّنا، فالزرع محمد ﷺ، والشطء أصحابه، كانوا قليلاً فكثروا، وضعفاء فَقَوُوا، قاله الضحاك وغيره.
﴿ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار ﴾ اللام متعلقة بمحذوف ؛ أي فعل الله هذا لمحمد ﷺ وأصحابه ليغيظ بهم الكفار.
الرابعة قوله تعالى :﴿ وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ ﴾ أي وعد الله هؤلاء الذين مع محمد، وهم المؤمنون الذين أعمالهم صالحة.
﴿ مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾ أي ثواباً لا ينقطع وهو الجنة.


الصفحة التالية
Icon