وليست "مِن" في قوله :"منهم" مبعّضة لقوم من الصحابة دون قوم، ولكنها عامة مجنّسة، مثل قوله تعالى :﴿ فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان ﴾ [ الحج : ٠ ٣ ] لا يقصد للتبعيض لكنه يذهب إلى الجنس، أي فاجتنبوا الرجس من جنس الأوثان، إذ كان الرجس يقع من أجناس شتَّى، منها الزنى والربا وشرب الخمر والكذب، فأدخل "مِن" يفيد بها الجنس وكذا "منهم"، أي من هذا الجنس، يعني جنس الصحابة.
ويقال : أنفق نفقتك من الدراهم، أي اجعل نفقتك هذا الجنس.
وقد يخصص أصحاب محمد ﷺ بوعد المغفرة تفضيلاً لهم، وإن وعد الله جميع المؤمنين المغفرة.
وفي الآية جواب آخر : وهو أن "من" مؤكدة للكلام ؛ والمعنى وعدهم الله كلَّهم مغفرة وأجراً عظيماً.
فجرى مجرى قول العربي : قطعت من الثوب قميصاً ؛ يريد قطعت الثوب كله قميصاً.
و"من" لم يبعض شيئاً.
وشاهد هذا من القرآن ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ ﴾ [ الإسراء : ٢ ٨ ] معناه وننزل القرآن شفاء ؛ لأن كل حرف منه يشفي، وليس الشفاء مختصًّا به بعضه دون بعض.
على أن من اللغويين من يقول :"من" مجنسة ؛ تقديرها ننزل الشفاء من جنس القرآن، ومن جهة القرآن، ومن ناحية القرآن.
قال زهير :
أمن أمّ أوْفَى دِمْنَةٌ لم تَكَلَّم...
أراد من ناحية أمّ أَوْفَى دِمْنَةٌ، أم من منازلها دِمْنَة.
وقال الآخر :
أخُو رغائبَ يعطيها ويسألها...
يأبَى الظُّلامةَ منه النَّوْفَلُ الزُّفَرُ
ف "من" لم تُبَعِّض شيئاً، إذ كان المقصد يأبى الظلامة لأنه نَوْفَلٌ زُفَرُ.
والنَّوْفَل : الكثير العطاء.
والزُّفَر : حامل الأثقال والمؤن عن الناس.
الخامسة روى أبو عروة الزبيريّ من ولد الزبير : كنا عند مالك بن أنس، فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله ﷺ، فقرأ مالك هذه الآية ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ ﴾ حتى بلغ ﴿ يُعْجِبُ الزراع لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار ﴾.