وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ﴾
رأى رسول الله ( ﷺ ) قبل خروجه إلي الحديبية.
وقال مجاهد : كانت الرؤيا بالحديبية أنه وأصحابه دخلوا مكة آمنين، وقد حلقوا وقصروا.
فقص الرؤيا على أصحابه، ففرحوا واستبشروا وحسبوا أنهم داخلوها في عامهم، وقالوا : إن رؤيا رسول الله ( ﷺ ) حق.
فلما تأخر ذلك، قال عبد الله أبيّ، وعبد الله بن نفيل، ورفاعة بن الحرث : والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام.
فنزلت.
وروي أن رؤياه كانت : أن ملكاً جاءه فقال له :﴿ لتدخلنّ ﴾.
الآية ومعنى ﴿ صدق الله ﴾ : لم يكذبه، والله تعالى منزه عن الكذب وعن كل قبيح.
وصدق يتعدى إلى اثنين، الثاني بنفسه وبحرف الجر.
تقول : صدقت زيداً الحديث، وصدقته في الحديث ؛ وقد عدها بعضهم في أخوات استغفر وأمر.
وقال الزمخشري : فحذف الجار وأوصل الفعل لقوله تعالى :﴿ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾ انتهى.
فدل كلامه على أن أصله حرف الجر.
وبالحق متعلق بمحذوف، أي صدقاً ملتبساً بالحق.
﴿ لتدخلن ﴾ : اللام جواب قسم محذوف، ويبعد قول من جعله جواب بالحق ؛ وبالحق قسم لا تعلق له بصدق، وتعليقه على المشيئة، قيل : لأنه حكاية قول الملك للرسول ( ﷺ )، قاله ابن كيسان.
وقيل : هذا التعليق تأدب بآداب الله تعالى، وإن كان الموعود به متحقق الوقوع، حيث قال تعالى :﴿ ولا تقولنّ لشيء إن فاعل غداً إلا أن يشاء الله ﴾ وقال ثعلب : استثنى فيما يعلم ليستثنى الخلق فيما لا يعلمون.
وقال الحسن بن الفضل : كأن الله علم أن بعض الذين كانوا بالحديبية يموت، فوقع الاستثناء لهذا المعنى.
وقال أبو عبيدة : وقوم إن بمعنى إذ، كما قيل في قوله :﴿ وإنا أن شاء الله بكم لاحقون ﴾.
وقيل : هو تعليق في قوله :﴿ آمنين ﴾، لا لأجل إعلامه بالدخول، فالتعليق مقدم على موضعه.