ومن مجيئها للبيان داخلة على ضمير الغائب قوله تعالى :﴿ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ ﴾ [ الفتح : ٢٥ ] عند القائلين بأن ضمير ﴿ تَزَيَّلُواْ ﴾ للمؤمنين لا للتبعيض كما يقوله الشيعة الزاعمون ارتداد أكثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم من أهل بيعة الرضوان وغيرهم، فإن مدحهم الساق بما يدل على الاستمرار التجدي كقوله تعالى :﴿ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ﴾ ووصفهم بمايدل على الدوام والثبات كقوله سبحانه :﴿ والذين مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الكفار ﴾ يأبى التبعيض والارتداد الذين زعموه عند من له أدنى إنصاف وشمة من دين، ويزيد زعمهم هذا سقوطاً عن درجة الاعتبار أن مدحهم ذاك قد كتبه الله تعالى في التوراة قبل أن يخلق السموات والأرض، ولا يكاد عاقل يقبل أنه تعالى أطلق المدح وكتبه لأناس لم يثبت على تلك الصفة إلا قليل منهم، وإذا قلنا : إن هؤلاء الممدوحين هم أهل بيعة الرضوان الذين بايعوه عليه الصلاة والسلام في الحديبية كما يشعر به ﴿ الذين مَعَهُ ﴾ لا سيما على القول بأن السورة بتمامها نزلت عند منصرفه عليه الصلاة والسلام من الحديبية قبل أن يتفرقوا عنه ﷺ كان سقوط ذلك الزعم أبين وأبين لأن الارتداد الذي يزعمونه كان لترك مبايعة علي كرم الله تعالى وجهه بعد وفاة رسول الله ﷺ مع العلم بالنص على خلافته بزعمهم ومبايعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وكيف يكون ذاك ارتداداً والله عز وجل حين رضي عنهم علم أنهم يفعلونه، والقول بأنه سبحانه إنما رضي عن مبايعتهم أو عنهم من حيث المبايعة ولم يرض سبحانه عنهم مطلقاً لأجلها خلاف ظاهر الآية، والظاهر ما نفي، ولا يعكر عليه صدور بعض المعاصي من بعضهم بعد وإنما يعكر صدور ما لا يجامع الرضا أصلاً كالارتداد والعياذ بالله تعالى، وبالجملة جعل ﴿ مِنْ ﴾ للتبعيض ليتم للشيعة ما زعموه مما يأباه الكتاب والسنة وكلام العترة.


الصفحة التالية
Icon