وقال أبو عبيدة : إن بمعنى إذ، يعني : إذ شاء الله حيث أرى رسوله ذلك، وانتصاب ﴿ ءامِنِينَ ﴾ على الحال من فاعل لتدخلنّ، وكذا ﴿ مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ ﴾ أي : آمنين من العدوّ، ومحلقاً بعضكم ومقصراً بعضكم، والحلق والتقصير خاصّ بالرجال، والحلق أفضل من التقصير، كما يدلّ على ذلك الحديث الصحيح في استغفاره ﷺ للمحلقين في المرة الأولى والثانية، والقائل يقول له : وللمقصرين، فقال في الثالثة : وللمقصرين، وقوله :﴿ لاَ تخافون ﴾ في محل نصب على الحال أو مستأنف، وفيه زيادة تأكيد لما قد فهم من قوله :﴿ ءامِنِينَ ﴾، ﴿ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ ﴾ أي : ما لم تعلموا من المصلحة في الصلح لما في دخولكم في عام الحديبية من الضرر على المستضعفين من المؤمنين، وهو معطوف على صدق، أي : صدق رسوله الرؤيا، فعلم ما لم تعلموا به ﴿ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ﴾ أي : فجعل من دون دخولكم مكة كما أرى رسوله، فتحاً قريباً.
قال أكثر المفسرين : هو صلح الحديبية.
وقال ابن زيد، والضحاك : فتح خيبر.
وقال الزهري : لا فتح في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية، ولقد دخل في تلك السنتين في الإسلام مثل من كان قد دخل فيه قبل ذلك بل أكثر، فإن المسلمين كانوا في سنة ستّ، وهي سنة الحديبية ألفاً وأربعمائة وكانوا في سنة ثمان عشرة آلاف.
﴿ هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى ﴾ أي : إرسالاً ملتبساً بالهدى ﴿ وَدِينِ الحق ﴾ وهو الإسلام ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ ﴾ أي : يعليه على كل الأديان، كما يفيده تأكيد الجنس، وقيل : ليظهر رسوله، والأوّل أولى.


الصفحة التالية
Icon