وقد كان ذلك بحمد الله، فإن دين الإسلام قد ظهر على جميع الأديان، وانقهر له كل أهل الملل ﴿ وكفى بالله شَهِيداً ﴾ الباء زائدة كما تقدّم في غير موضع، أي : كفى الله شهيداً على هذا الإظهار الذي وعد المسلمين به، وعلى صحة نبوّة نبيه ﷺ ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله ﴾ محمد مبتدأ، ورسول الله خبره، أو هو خبر مبتدأ محذوف، ورسول الله بدل منه، وقيل : محمد مبتدأ، ورسول الله نعت له ﴿ والذين مَعَهُ ﴾ معطوف على المبتدأ وما بعده الخبر، والأوّل أولى، والجملة مبينة لما هو من جملة المشهود به.
﴿ والذين مَعَهُ ﴾ قيل : هم أصحاب الحديبية، والأولى الحمل على العموم ﴿ أَشِدَّاء عَلَى الكفار ﴾ أي : غلاظ عليهم، كما يغلظ الأسد على فريسته، وهو جمع شديد ﴿ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ﴾ أي : متوادّون متعاطفون، وهو جمع رحيم، والمعنى : أنهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدّة والصلابة، ولمن وافقه الرحمة والرأفة.
قرأ الجمهور برفع ﴿ أشداء ﴾، و ﴿ رحماء ﴾ على أنه خبر للموصول، أو خبر لمحمد، وما عطف عليه، كما تقدّم.
وقرأ الحسن بنصبهما على الحال، أو المدح، ويكون الخبر على هذه القراءة ﴿ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ﴾ أي : تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين، وعلى قراءة الجمهور هو خبر آخر، أو اسئتناف : أعني قوله :﴿ تَرَاهُمْ ﴾ ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ الله وَرِضْوَاناً ﴾ أي : يطلبون ثواب الله لهم ورضاه عنهم، وهذه الجملة خبر ثالث على قراءة الجمهور، أو في محل نصب على الحال من ضمير تراهم، وهكذا ﴿ سيماهم فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود ﴾ السيما : العلامة، وفيها لغتان المدّ والقصر، أي : تظهر علامتهم في جباههم من أثر السجود في الصلاة، وكثرة التعبد بالليل والنهار.
وقال الضحاك : إذا سهر الرجل أصبح مصفراً، فجعل هذا هو السيما.
وقال الزهري : مواضع السجود أشدّ وجوههم بياضاً يوم القيامة.